السبت، 6 فبراير 2010

ام رقيبه(مدينة الخيام)




للاسف لم يكن لدي كاميرا كعادتي


أم رقيبة ..هذه المدينة التي تنشئ في قلب الصحراء لمدة زمنية ترتبط بالحدث الذي ارتبط اسمه بهذا المكان ، زرتها هذه المرة بعد أن قطعت على نفسي وعدا سابقا بأن لا أعود لها لحضور الحدث الذي يهتم به الكثيرين ، لارتباطه بحبهم للإبل ولمشاهدة الأحداث التي يقيمها الهواة بكل أصنافهم . وقد كانت زيارتي لهذا المكان بطلب من (12) زميلا فرقتهم ظروفهم العملية وتباعد مقار أعمارهم وانشغالهم بأمورهم الخاصة ، وقد كان الاجتماع الأخوي الهام حدثا هاما خصوصا بأنهم لم يجتمعوا مع بعضهم منذ أكثر من 28 عاما ، لقد كانت فرحة مقابله الزملاء بالإضافة إلى دفئ وحميمة اللقاء عاملا مساعدا على التغلب على برودة الطقس في مثل هذه الفترة من العام ، حيث أن الشتاء ببرودته القارسه في الصحراء لا يزال قائما.

لقد أعادتنا هذه الظروف إلى فترات شبابنا حيث تحرر كل منا من وقاره وهدوءه وبدء يتحرك ويتصرف كشباب صغير السن ، برغم زيادة الأوزان وثقل سنوات العمر على المتون وزيادة ابيضاض الشعر في الرأس والوجه ، وعلى الرغم من القدرة المالية الجيدة للجميع "بفضل الله" إلا أن رغبتنا بان نقوم بكل الأعمال التي تخدمنا بأنفسنا منعت وجود الغرباء بيننا في هذا المكان الذي تم استئجاره من بعض المنتفعين من جراء قيام هذا الحدث ، وللأسف أنهم فكروا في إمداده فقط بالتيار الكهربائي ، ونسوا أهم شيئين لا يستغني عنهما أي شخص ، وهما الماء وبيت الخلاء ، حيث شكل عدم وجودهما بعض الصعوبات ، وحقيقة لا اعرف لماذا يتم إغفال أمور مرتبطة بالصحة العامة وبالاحتياج الطبيعي لأي إنسان ؟

وصلنا إلى هذا المكان الذي بذل في ترتيبه زميل عزيز يدعى عبد الله1 (ابو تركي) جهودا مشكورة وذلك بجلب كل احتياجات الطهي والتدفئة والمستلزمات الأخرى ، وقد تفاني الزملاء في أن يقوم كل منهم بدور معين لخدمة الآخرين ، وقد كان من نجوم التفاني البناء بعض الأسماء التي من الواجب ذكرها منهم عبد الله2 (ابو سعيد) الطباخ الماهر الذي تفنن في وجبة الغداء التي كانت من ألذ الوجبات ، وقد ساعده بكل أريحية عبد الله3 (ابو مسفر) وصالح (ابو نايف) ومحمد (ابو محسن) الذين أسميتهم أبطال المعركة ( The hero's of battle) كما بذل كل من علي(ابو محمد) وعبد الله4 (ابو عاصم) جهوداً واسعة في الاعتناء بالتدفئة وإبقاء مكان الجلوس مناسبا لتبادل أطراف الحديث ، وتميز سلطان(ابو خالد) بقفشاته ونكاته واختلاق مواقف أدخلت أجواء من الفرح والبهجة لدى الجميع ، وخصوصا انه تميز بشخيره المزعج الذي جعل من مداوي (ابو سالم)يخرج عن طوره ويولي هاربا من جوار سلطان بحثا عن مكان اقل شخيرا ليحضى بنوم هادئ ، ومداوي هذا كان الإمام لنا أثناء الصلوات ، لذا فقد كان التعليق علي موقفه لطيفاً وماتعا ، إما عبد الله 5 (ابو عبدالعزيز) صاحب الثلاث زوجات فقد كان محط التساؤلات التي تثار حول التعدد وخبرات الزواج بأكثر من واحده ، علما بأنه كان الوحيد الذي تحلى بهذه الصفة ، خصوصا ان الجميع هنا يمني النفس بعودة الايام الخوالي .. التحق بنا في اليوم التالي سليم(ابو رائد) الذي كان نجم لعبة البلوت التي حاولت جاهدا إيقافها لما فيها من إزعاج ولاعتقادي الجازم بأنها لعبه بلا نظام لما فيها من جدال ومحاولات لاثبات الذات من خلال رفع الصوت ، كما ان اللاعبين يفسدون المجالس التي ينتهكون آدابها ، هذه اللعبة تثير الحماس لدى اللاعبين ليزعجوا غيرهم ، وهو ما اثأر امتعاضي وقد حاولت جاهدا ان يكون بقاءنا هنا بعيدا عن تضييع الوقت فيما لا يفيد.

أما عبيد (ابو احمد) و إبراهيم (ابو اسامه) فقد كانا نجمي التنظير الكلامي فيما يفيد أحيانا وما لا يفيد غالباً ، خصوصا انهم لا يقدمون منهجا واضحا للحديث ولا مرجعية لأفكارهما ، وقد تميزا عن البقية بعدم المشاركة في أي عمل ، سوى ان عبيد ذهب مع النجم الصامت عبد الله (3) لشراء الخروف الذي كان ضحية شغف الجميع بلحوم الهرافي ، وأنا انصح أي مجموعة ترغب في الخروج معهما (عبيد وإبراهيم) إبلاغهما منذ البداية بان عليها القيام بادوار أخرى(تحدد لهم) غير الجلوس وإصدار التعليقات والتعليمات ، ولكن هذه المرة كانا محظوظين بان بقية المجموعة كانوا متفانين جدا ، وربما أن صالح كان الاميز بين الجميع على الرغم انه لم ينزع العقال من على رأسه إلا في حالات شبة نادرة.

بعد سهره رائعة كانت مساء الأربعاء (19صفر1431هـ ) انفض السامر بالخلود إلى فرشنا التي تعددت أنواعها ، وانقسم الجميع إلى ثلاث مجموعات (مجموعة المشخرين، ومجموعة غير المشخرين و مجموعة الهاربين من المجموعتين السابقتين) ، وعندما بدء التجمع لصلاة الفجر اتضح هول الفاجعة التي حلت بمداوي جراء ما عاناه من شخير منوع من حيث (قوة الصوت والنغمه والطريقه) الصادر من عبيد وسلطان ... أما عبد الله (1) فقد هرب مبكرا الى خيمة الهاربين ، ولم يزعج مجموعه الهاربين سوى تطفل حشرة تشبه الفأر تسمى(جربوع) حيث كان يبحث عن ما يسد به رمقه من بين بقايا فضلات المطبخ (مكان نوم مجموعة الهاربين...) والانزعاج مرتبط بإمكانية تتبع احد الثعابين لتلك الحشرة .

في الصباح الباكر وبعد الاستمتاع بسماع الأحداث المضحكة على رائحة القهوة الزكية والحليب الساخن الذي بدد بقايا لسعات البرد ، كان علينا انتظار وجبة الإفطار الذي جاء به أحد أبناء عبد الله(1) من بيتهم ، وقد بذل فيه جهودا كبيره لصعوبة عمله ، وقد كان عبارة عن وجبة شعبية معروفة تدعى (عريكة) وهي مزيج من البر والسمن والعسل ، وعلى الهامش كان خبز البر المرشوش بالحبة السوداء واليانسون ، وبعض المواد العطرية مع السمن البلدي والعسل اللذيذ.

بعد ذلك قمنا بجولة على السوق الذي أنشئ في المنطقة حيث تركزت معروضاته على الأجهزة والمواد والتي يحتاجها أصحاب الإبل ، وكذلك بعض المصنوعات التراثية القديمة والمواد الغذائية ، كما زرنا منطقة بيع اللحوم وقد فوجئنا بان المكان هو أيضا مكان لذبح البهائم في منظر غير صحي ومزعج لحد كبير ، بل انه دليل كبير على الفوضى التي تضرب أطنابها في إرجاء المكان ، كما تدل على عدم الاهتمام من قبل السلطات التي أنشئت مقار لها تفننت في ترتيبها ورص عقود الأنوار عليها بهدف إبراز تواجدها بعيدا عن تقديم خدمة حقيقة للمتواجدين هنا .

علمنا أيضا بأنه يتم ذبح أكثر من 5000 راس من الخراف والأغنام ، أضافه الى نحر العشرات من الجمال لتنهش لحومها على الموائد التي يتفاخر في إعدادها ملاك الإبل في هدر غير مبرر وتفاخر غريب ، حيث أنه يتم التخلص من أطنان كبيرة من الموائد التي لم يتم أكلها يوميا، وقد ذكر بان احدهم يذبح يوميا عدد 100 رأس من الخراف وبعيرين في الحد الأدنى، وللأسف فانه بالصدفة البحتة شاهدت عملية نحر بعير في مشهد مؤلم وينم عن بربرية لا يمكن تبريرها .

انتقلنا بعد ذلك إلى سوق بيع الإبل حيث يمكن مشاهدة بعض العمليات التي يقوم بها الملاك من حلاقة الوبر أو غسيل بالماء والصابون للإبل المعروضة للبيع ، وحيث أن مرافقي يتبادلون الأحاديث حول جمال تلك الإبل فقد حاولت أن أجد مواطن ذلك الجمال فلم انجح.. فانا أرى أنها جميعها متشابهه ، بل أنها قبيحة المنظر ....علما بان المبالغ المعروضة لبعضها تعتبر خيالية بكل المقاييس...وبعد استفسارنا عن تلك التي سمعنا عن بيع بعضها بعشرات الملايين ، قيل لنا بان مكانها يعد سريا و محروسا ولا يمكن مشاهدتها من الجميع هنا ..مما دعاني إلى استخدام لفظة الزعيم في إحدى مسرحياته ولكن عن الجمال هذه المرة " للجمال حظوظ"

بعد صلاة العصر جلنا في سيارتين بعد أن غادرنا عبد الله(3) لقضاء ظرف خاص وقد افتقدناه حقا ، اما صالح فقد استسلم لفترة من النوم العميق ، المهم اننا جلنا على أماكن ملاك الإبل المتسابقة وأماكن تواجدها وقد شاهدنا العجب العجاب في هذا المكان الذي اجزم انه لا يوجد له مثيل في كامل المجرة الشمسية ....ومع ذلك فأنني مع إقامة مثل تلك المهرجانات للمهتمين والهواة ، ولكن بوضع ضوابط تمنع التفاخر وانتقاص الآخرين وعدم المبالغة في التعاطي مع بعض الأمور ومنها أسعار الإبل.

بعد العودة إلى المخيم أبدع صالح وسلطان في وضع التركيبة المناسبة لوجبة العشاء التي كانت لذيذة إلى ابعد حد ، خصوصا أن صالح كان قد احضر خبزا من بيته كان لذيذا للغاية ، بعد ذلك كان علي ان ارتب لعودتي إلى الرياض وقد رافقني علي وعبد الله(5) حيث غادرنا المكان حوالي الساعة العاشرة والنصف مساءً ، وقد تميزت فترة السفر بنوم عبد الله (5) وعينيه مفتوحتين في حالة غريبة وربما نادرة ، هل سمع أحدكم او رأى شخص يشخر وعينيه مفتوحتين تماما ؟ لقد كانت هذه الفترة من السفر حافلة بالمتعة والإثارة.

لقد اقترحت أن تقام مثل هذه المناسبة في منطقة أخرى من مملكتنا الغالية لإعطاء فرصة لبقية الزملاء في مناطق أخرى للحضور. ..فالعمر يجري والمنايا اقتربت وهي فرصة رائعة لإزالة بعض الهموم العملية والعائلية.

فمن يرفع راية تغيير المكان وعقد الاجتماع بعد اختيار الزمان.






محمد الجديعي

الرياض 21 صفر 1431هـ

هناك تعليق واحد:

zizooo يقول...

والله انت موسوعه وبحر وممتع جدا حقيقه انا استمتع بما تكتب دائما بس البعارين حلوه وجميله جدا ويكفي قول الله تعالى(افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت) تحياتي لك