الجمعة، 23 أبريل 2010

ستالينجراد (معركة هامه تاريخياً )



1. عام ...... قراءتنا للتاريخ بحاجه الى ان تراجع ، وذلك لأن أحداثا تاريخية هامه لا نعرف عنها الكثير ، لأنها لا تدرس في مدارسنا أو جامعاتنا ، كما ان التاريخ شهد معارك كبيره تركت بصماتها الواضحة على العالم في الفترات التي تلتها ، ونحتاج دائما الى معرفة ظروف خوضها وكيفية شنها ونتائجها المباشرة وغير المباشرة ...

لعل من اهم المعارك التي لا نعرف عنها الكثير معركة ستالينجراد ، وقد تمكنت ولله الحمد من زيارة الميدان الذي أقيمت فيه ، و تعد المعركة من بين المعارك الأكثر دموية في تاريخ البشرية ، وقعت المعركة في محيط المدينة الجميلة فولقاقراد التي كان اسمها قبل ذلك وحتى العام 1925م (تساريتسين ) ثم سميت ستالينجراد من العام 1925 وحتى العام 1961م ، حيث سميت بعد ذلك وحتى الآن فولقاقراد ، وهي تقع على ضفة النهر الجميل جدا نهر الفولقا ، (في العام 1991م تم أيضا تغيير مسمى مدينة لينين قراد الى اسمها الأساسي سانت بيترسبيرج ..وهي المدينة السياحية الأولى في روسيا) ......






2. جغرافية المدينة و أهميتها .

تمتد مدينة ستالينغراد بمحاذاة الضفة اليمنى لنهر الفولغا ويبلغ طولها 80 كم (50 ميلا) ، درجات الحرارة فيها تتراوح بين (-10° مئوية ) شتاءً و (30° مئوية) صيفاً ، ويقطنها حوالي (1,2) مليون نسمه ، وهي مركز صناعي هام لعدد من الصناعات مثل بناء السفن ومصافي البترول وصناعة الألمونيوم والحديد ، ومركز هام لصناعة الآلات والأدوات والكيماويات ، وتعتبر المنطقة من الأراضي المنبسطة التي تكثر فيها المستنقعات والسبخات وهي امتداد للسهل الأوروبي وتعد من أغنى مناطق الاتحاد السوفيتي من حيث الثروات .



صورة لنهر الفولقا بكامرتي الخاصة





نصب الوطن الام ..قريب من ميدان المعركة


3.معركة ستالينجراد :

معركة ستالينغراد هي معركة حدثت بين ألمانيا النازية وحلفائها (رومانيا ، ايطاليا ، المجر) من جهة والإتحاد السوفييتي من الجهة الأخرى ، وكانت ضمن معارك الحرب العالمية الثانية التي كانت تدور رحاها في مناطق مختلفة على الكرة الأرضية ، وقد وقعت المعركة بين 21 أغسطس 1942م و 2 فبراير 1943م ، وتعتبر نقطة تحول في الحرب العالمية الثانية على الساحة الأوروبية ، ويمكن القول أنها المعركة الأكثر دموية في التاريخ البشري نتيجة لعدد القتلى الكبير ...

وقد تكونت تلك المعركة من ثلاث مراحل رئيسة وهى :

   أ‌. الحصار الألماني لستالينجراد .

   ب. المعركة داخل المدينة .

   ج. الهجوم السوفييتي المضاد و تدمير قوات المحور.

   د. في الجدول أدناه مقارنه بين قوات الطرفين ...




4. سير العمليات:

   أ. توغلت القوات الألمانية في المدينة يوم 12 سبتمبر 1942 ، وقد وجدوا أنفسهم يخوضون قتالاً مريراً من شارع إلى شارع ومن بيت إلى آخر ، وقد تحملت عناصر المشاة وطأة ذلك القتال المرير ، وتكبدت خسائر فادحة ، ولكنها تمكنت في نهاية المطاف من طرد القوات السوفيتية من المدينة .

   ب. في 13 سبتمبر 1942 وصلت قوات الجيش المدرع الرابع الألماني مع بعض التشكيلات الرومانية إلى ضفة نهر الفولغا جنوب المدينة ، ولكنها لم تتمكن من الوصول إلى المنطقة الصناعية شمال المدينة بسبب شدة المقاومة السوفيتية .

   ج. قررت القيادة السوفيتية العليا تدمير الجناح الجنوبي للقوات الألمانية بالقضاء على الجيش السادس والجيش الرابع المدرع الألمانيين ، وكلف المشير جوكوف والفريقان فاسيليفسي وفورونوف بمهمة تنسيق تحركات الجبهات الثلاث ، ونقل إلى منطقة ستالينغراد أكبر حشد من احتياطات القوات المسلحة السوفيتية بصورة سرية لتحقيق نصر ساحق وقد تم توقيت الهجوم بحيث يتزامن مع إنزال الحلفاء في المغرب والجزائر حيث كانت تدور معارك طاحنه .



المشير جوكوف (ولد عام 1896 وتوفي عام 1974)

يعتبره الشعب السوفيتي قائدا عسكريا عبقريا وبطلا شعبيا



    د. في يوم 19 أكتوبر فتحت حوالي 7000 مدفع روسي نيرانها على القوات الألمانية في منطقة ستالينغراد تمهيداً للهجوم الروسي المضاد ، وقد أحدثت الهجمات الروسية الأولية إختراقين كبيرين في قاطع الجيش الثالث الروماني بين الفيلقين الثاني و الرابع ، عندها قام الفريق لاسكار بتجميع تشكيلات الفرقتين الخامسة و السادسة وأجزاء من الفرقتين الثالثة عشر والرابعة عشر الرومانية لتقاوم الهجمات الروسية من مواقع دفاعية من جميع الجهات ، ولكن قامت القوات الألمانية احتياطها المؤلف من الفيلق المدرع 48 بقيادة الفريق هايم لإزالة الخرق الروسي إلا أن الفيلق المذكور لم يتمكن مـن إحباط الهجمات الروسية لعدم كفاية قواته الضعيفة إزاء الهجمات الشديدة المتعاقبة .

    هـ. في 20 أكتوبر 1942 قام الروس بشن الموجه الثانية من هجومهم المضاد ، حيث شن الجيش(51) هجوماً عنيفاً على مواضع الفيلق السادس الروماني ، وتمكن من اختراق جبهة الفيلق خلال ثلاث ساعات فقط ، ورافق ذلك هجوم على الفرقة 20 الرومانية نسببه خرق في مواضع الجيش المدرع الرابع إلى قاطعين منفصلين . وقد أدى هذا الخرق إلى انهيار في دفاعات الفيلق السادس الروماني مما ادى ذلك إلى ان تندفع القوات الروسية وراء الجيش السادس الألماني من جهة الجنوب .

    و. في 22 أكتوبر 1942 استولى الفيلقان المدرعان الرابع و السادس والعشرين الروسيان على جسر الدون قرب كالاتش من الجبهة الجنوبية الغربية ، وذلك بعد هجوم سريع .

    ز. في عصر يوم 23 أكتوبر 1942 التقت عند سوفيتسكي الارتال الأمامية القادمة من الشمال الغربي بالفليق المدرع الرابع الروسي من تشكيلات جبهة ستالينغراد القادم من الجنوب الشرقي فحقق الروس بذلك الاتصال تطويق الجيش السادس الألماني ، الذي كانت خسائرة فادحة مما تسبب في انخفاض كبير للروح المعنوية للقوات الالمانية ، تزامن ذلك مع هطول امطار غزيرة مع اشتداد برودة الشتاء ، وقد احدثت القيادة الالمانية تغييرات في بعض القيادات تزامنت مع صدور اوامر بالصمود حتى آخر جندي .

    ح. في 27 أكتوبر 1942 جمعت بقايا الجيش السادس المحاصر والجيش المدرع الرابع و الجيشين الرومانيين الثالث و الرابع ووضعت تحت قيادة المشير اريش فون مانشتاين الذي احضر مع جيشه (الجيش الحادي عشر) من جبهة لينينغراد على عجل ، وتم تسميتها( مقر مجموعة جيوش الدون ) ، وقد كلفت بمهمة التعرض لكسر التطويق ولكن دون إخلاء ستالينغراد .



المشير اريش فون مانشتاين



جنود ألمان أثناء المعركة

    ط. في برقية أرسلها الفريق الأول باولوس الى القيادة الالمانية ليلة 23/24 أكتوبر 1942 يطلب فيها السماح له بكسر التطويق والقيام بعملية خروج قبل فوات الأوان لاسيما وان عملية التطويق تضطره بطبيعة الحال إلى الدفاع من جميع الجهات ، كما ان الجيش تكبد في الأيام الأخيرة خسائر فادحة في الأفراد لدرجة أصبحت معها تشكيلاته ضعيفة القوة ، وقد أيده في طلبه هذا رئيس أركان القوات البرية الفريق كورت زايتسلر خلال عرض الموقف اليومي املا في موافقة هتلر على سحب الجيش السادس من ستالينغراد . وقد تفهم هتلر موقف الجيش في أول الأمر وأبدى ميلا لقبول وجهة نظر الفريق زايتسلر ، ولكنه سأل عن إمكانية تموين الجيش السادس المحاصر عن طريق الجو ، فأبدى قائد القوات الجوية المشير هرمان غورنغ استعداده لتموين تشكيلات الجيش السادس جواً . كانت إجابة قائد القوات الجوية هذه وبالا على الجيش السادس المحاصر .

   ك. في صباح 24 أكتوبر 1942 أصدر هتلر قراره بوجوب صمود الجيش السادس في ستالينغراد رغم تحذيرات الفريق زايتسلر الذي اختتم مناقشاته لهتلر بقوله :-

"انك تريد الاحتفاظ بستالينغراد يا سيدي ولكنك ستفقد ستالينغراد والجيش السادس معاً" .

    ل. شن الروس هجمات واسعة على عدة تشكيلات في محاور متعدده ،ومنها هجمات عنيفة لإبعاد تشكيلات المحور عن ستالينغراد تمهيداً لإبادة الجيش السادس وتحقيق هدف أخر هو القضاء على الجناح الجنوبي للتشكيلات الألمانية برمته .



   م. في ليلة عيد الميلاد 24/25 ديسمبر 1942 واليومين اللذين أعقباها شددت تشكيلات جبهة ستالينغراد السوفيتية هجماتها بقوات متفوقة عددياً على الجيش المدرع الرابع الألماني والجيش الرابع الروماني ، وفي 29 ديسمبر 1942 احتل الفيلق المدرع السابع الروسي مدينة كوتلنيكوفو وعندئذ اضطر المشير فون مانشتاين على إيقاف الهجوم الذي شرع به الجيش المدرع الرابع بقصد الوصول إلى ستالينغراد وتحقيق الاتصال مع الجيش السادس لكي يرأب التصدع الذي طرا على جبهة مجموعة الجيوش وبقي الجيش المدرع الرابع يقاتل ثلاثة فيالق آلية روسية في القاطع الجنوبي ، بينما كان جيش هوليدت من مجموعة الجيوش يقاتل ثلاثة جيوش في قاطع تسيميليا .

5. استسلام الجيش السادس.

    أ. ساء موقف الجيش السادس في ستالينغراد بشكل كبير بعد النجاح الذي حققه الجيش الروسي في إبعاد الجبهة الجديدة عنه إلى هذه المسافة وتكثيف الاحتياطات لتشديد الضغط عليه بصورة منظمة ، وقد آمنت القيادة العليا الألمانية بان الجيش السادس لم يعد بمقدوره القيام بعملية خروج وتصورت أن بإمكانها إنقاذ الجيش بهجوم جديد تشنه في ربيع 1943 لكنها لم تتمكن من إدامته في ذلك الطقس الشديد البرودة وكذلك لقلة العتاد الذي بقيت لديه منه مقادير ضئيلة ، وكان بإمكان الطائرات القيام بثلاث رحلات يومياً إلى منطقة الحصار ولكن ابتعاد الجبهة الألمانية عن ستالينغراد جعل تنقلها محدوداً بعد أن ضاعف الروس الدفاعات الجوية لمقاومة طائرات النقل الألمانية حيث انه في شهر ديسمبر 1942 وحده أسقطت 246 طائرة خلال عملية نقل المعدات إلى ستالينغراد ... (من اهم نجاحات الدفاع الجوي تاريخيا )

    ب. في 8 يناير 1943 عرض المشير السوفيتي روكو سوفسكي على الفريق الأول باولوس الاستلام إلا أن القائد الألماني رفض الطلب وواصل القتال ، وفي 9 يناير 1943 تلقى باولوس نداء من برلين بترقيته إلى رتبة مشير وما لبثت أن وصلته شارات الرتبة وعصا المشير التقليدية ، وقد شرع الروس بهجومهم النهائي لتحطيم الجيش السادس في ستالينغراد يوم 10 يناير 1943 بعد أن أحاطت بالمدينة سبعة جيوش سوفيتية من ثلاث جبهات .

    ج. في 14 يناير 1943 استولى الجيش 21على مطار بيتومنكوهو أهم قاعدة جوية تمون الجيش السادس ، وفي 22 يناير 1943 فقد الألمان مطار غومراك أيضا ، وبذلك وانقطع الاتصال الجوي مع ألمانيا تماماً ، وفي 25 يناير 1943 استطاع الروس خرق دفاعات الجيش السادس في ستالينغراد وعزلوا الفيلق 11 في الشمال عن التشكيلات المحاصرة الأخرى.

    د. في 31 يناير 1943 استسلم القسم الأكبر من الجيش السادس للسوفيت ووقع المشير باولوس وثيقة استسلام جيشه للمشير السوفيتي روكوسوفسكي ، لكن الفيلق 11 بقي يقاتل بقيادة الفريق شتريكر في أطلال الأحياء الشمالية من المدينة لتوفر مقادير ضئيلة من المؤن ولما نفذت لم يكن هناك حل سوى الاستسلام ، حدث ذلك في عصر يوم 2 فبراير 1943.

   هـ. خسائر الطرفين ..



تم اسر 93.000 عسكري ألماني في يوم واحد (كان من ضمنهم 3000 ضابط)

مكان خلدت فيه اسماء قتلى المعركه في مدينة فولقاغراد



6. اسباب الهزيمة الالمانية فى ستالينجراد



    أ. تأخر قرار هتلر فى الهجوم على الاتحاد السوفيتى لمدة اسبوعين أدى فيما بعد الى نتائج كارثيه بسبب دخول فصل الشتاء القارص وتساقط الجليد الذى يعتبره الروس الدرع الواقى لهم ضد اى عدو يحاول الهجوم عليهم فقد سبق نابليون هتلر الذي انهزم بسبب الثلوج الروسية ، و لم يتعلم هتلر هذا الدرس وساعد على هذا ان الأزياء العسكرية الألمانية لم تكن ثقيلة بما يكفى لتوفير الدفء للجنود الألمان حتى وصل الأمر ببعض الألمان الى بتر إطرافهم بسبب ما يعرف طبيا باسم (عضة البرد او الصقيع) على عكس الروس الذين يعرفون الجو تماماً و يعرفون القتال فيه .

    ب‌. طول خطوط الإمدادات الألمانية و صعوبة إمداد قوات مقاتلة بهذا الحجم الكبير وما تحتاج إليه من رجال و عتاد و كساء و غذاء و مستلزمات طبية ، وعجز القوة الجوية الألمانية عن إمداد هذه القوات بما تحتاج إليه بالإضافة الى صعوبة الإمداد البرى لتلك القوات و المقاومة التي يلقاها الألمان من البلاد التي يحتلونها على طول خطوط الإمدادات.


    ج. ضعف القوات الرومانية و الايطالية المعاونة للقوات الألمانية المقاتلة فى ستالينجراد و هو ما سمح للروس باختراق تلك القوات ، وهو ما أدى الى إضعاف الخطوط الألمانية بسبب اضطرارها الى دعم هذه القوات مما أثر على الجيش السادس الألماني وانهيار الروح المعنوية لدى الجنود الألمان.

    د. تحول نظر هتلر الى معركة العلمين و التى كانت تدور رحاها فى صحراء العلمين بالصحراء الغربية فى مصر بين الفيلد مارشال روميل قائد القوات الالمانية و القوات البريطانية بقيادة مونتجمرى ، حيث كان هتلر يرى ان استيلاء الالمان على مصر و قناة السويس سوف يتيح للالمان قطع أوصال الإمبراطورية البريطانية ، كما كان يرى ان رومل يستطيع التقدم بتلك القوات عبر مصر الى الشام والعراق والاستيلاء على ايران ثم مهاجمة الاتحاد السوفيتى من الجنوب ، مما يضع ستالين بين السندان (الجيش 6 فى ستالينجراد ) و المطرقة (قوات رومل فى الجنوب) ، إضافة الى الدعم الذى كان يتوقعه من القوات اليابانية بمهاجمة الاتحاد السوفيتي شرقا و هو ما دفع هتلر الى مساعدة ثورة رشيد عالى الكيلانى فى العراق ضد بريطانيا و مقابلة مفتى فلسطين من اجل استمالة العرب إليه .


7. الخلاصة : كلما زاد البحث في هذه المعركة تزداد الدروس والعبر المستفادة في مجالات سياسية وإستراتيجية وعسكرية ، وارى ان يتم تدريسها بتفصيل اكبر في الكليات العسكرية المتخصصة وزيارة ميدان المعركة والمتحف الكبير الموجود في مدينة فولقاغراد لإثراء الفكر العسكري للقادة ومعرفة كيفية شن الحروب وكيفية خوضها والنتائج التي آلت اليها الأوضاع بعدها ، وربط النتائج بالأهداف والمقارنة بين الوضع السياسي والعسكري قبل وبعد المعركة .


محمد بن يحي الجديعي (الرياض 01 جمادى الاولى 1431هـ)

ليست هناك تعليقات: