الجمعة، 8 يناير 2010

غزوة تبوك



غزوة تبوك


1.المقدمة. الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد بن عبد الله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد .



فإن غزوة تبوك التي لم يقع فيها قتال ولا حتى تماس مع العدو كانت من أهم الغزوات التي قادها الرسول (صلى الله عليه وسلم ) بنفسه وإلا لما سميت غزوه . لقد تجسدت أهمية الغزوة من خلال جوانب متعددة سواء من حيث عــدد الجيش الإسلامي أو بعد المسافة أو صعوبة التجهيز والاستعداد لــــهذه الغزوة أو الطقس الذي ساد تلك الفترة الزمنية أو المكائد التي يحيكها المنافقون والمندسون في الصفوف الإسلامية . كما أن أهميتها تتضح من خلال ما آلت إليه تلك الغزوة من نتائج حيث تم تأمين الجبهة الشمالية مـن حـدود الدولة الإسلامية الوليدة في الجزيرة العربية .وكــــذلك فـإن الأخبــــــار التي شاعت في أنحاء الجزيرة عن القـوه التي أصبحت تتحــــدى اعتي القوى والدول العظمى دفعت القبائل التي كانت مترددة مـن الــدخول في الإسلام الى التهافت على المدينة المنورة في تلك السنه حيـث عرف ذلك العــــام بعام الوفود رغبة في الدخول تحت الراية المحمدية في سبيل الله . ولم تصل الأنباء إلى سكان الجزيرة العربية فحسب بل تعدتها وتجاوزت حدودها إلى الدول والإمبراطوريات المجاورة وهذا ما جعل الدولـــة الإســـلامية مهيبة الــجانب وبالتالي اضطـــرت تلك الـــدول إلى تغيير سياساتها وإستراتيجياتها حول التعامل مع الدولة الــــجديدة والدين الجديد في ذلك الوقت .



2. الغرض من البحث . لقد كـــــــــــــان اختيار مــوضوع البحث نظرا لما أحدثته هذه الغزوه من نقله نوعيه في معنويات المسلمين ،وتقويه لشوكة الدوله الاسلاميه الفتيه ، وترسيخا للدين الاسلامي ،واستعراض هذه الغزوه يسلط الضوء على عدة جوانب ومنها :



أ.التعرف التفصيلي على ما تم في هذه الغزوة مــــن مــــــواقف مختلفة.



ب.الإستفاده من الدروس والعبر في جوانب متعــــــــددة منها الدينية والعسكرية.



ج.التعود على الطريقة العلمية الصحيحة للبحث والاستقصاء واستخلاص المعلومات ومعرفة أساليب البحث العلمي.



3.منهج البحث. تم اختيار طريقتين من طــــــــرق البحث العلمي المعروفة وهما المنـهج اولا التاريخي لما تتطلبه طبيعة البحـــث في موضوع كهذا. وتم أيضا استخدام المنهج الوصفي في مواضع أخرى من البحث حيث كان البحث مزيجا من هذا وذاك أملا في أن يخرج البحث بالصورة المطلوبة إن شاء الله.





4.تنظيم البحث. تم تقسيم البحث إلى أربعـــة فصـــــول بناءا على العناصر المطلوب البحث فيها حيث تم أخذ كل عنصر وتم وضعه في عنصر مستقل رغبه في أن يتم إيفـــاء كل عنصر حـــقه مــــن التحليل والدراسة العميقة وقد جاءت تلك الفصول على النحو التالي:



أ . الفصل الأول. أسباب غزوة تبوك.



ب . الفصل الثاني. استعدادات المسلمين والروم قبل غزوة تبوك.



ج. الفصل الثالث. نبذه عن تبوك وما جاورها والقبائل المستوطنة حولها.



د‌. الفصل الرابع. نتائج غزوة تبوك والدروس المستفادة منها.



وأخيرا جاءت الخلاصة والتي هي عبارة عن تلخيصا لما جاء في الفصول الأربـعة ثـم الاستنتاج وهي بعض من النقاط التي خرج بها الباحث من جراء بحثه لهذا الموضوع.



5. الصعوبات. واجه الباحث بعض الصعوبات التي اعترضت جمع وتحليل وطباعة وإخراج البحث على النحو الذي هو عليه ومن تلك الصعوبات ما يلي :



أ‌. عـدم وجـود مـراجع تتناول موضـوع البحـث مـن وجـوه مختلفة بل قد يكون جل المراجع متشابهة في محتواها.



ب‌. تعارض وقت البحث مع وقت الدراسة الذي تميز بوجود الاختبارات والالتزامات الأسرية والاجتماعية الخاصة .



وقد تمكن الباحث من التغلب على تلك الصعوبات بالالتزام الدقيق بمـا تم عـمله من جـدول زمني للانتهـاء من كـل مـرحله مـن مـراحـل البحث .وكذلك السؤال المستمر والبحث الدائب عن أي مصدر يكمل النقص في أي معلومة هامة لإنجاز البحث.



أخيرا فإن الكمال لله وحده وحسبي أنني بذلت قصارى جهدي وآمل أن أكون قد وفقت في سعيي للوصول إلى الهدف المنشود.





والحمد لله رب العالمين. والله ولي التوفيق،،،،،،







الفصل الأول







أسباب غزوة تبوك







(1)المقدمة : الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين .



غزوة تبـوك من الـغزوات التي اجمع المـؤرخـون وكتـاب السير ورجـال الفكر الإسـلامي بأنــها ذات أهمية خاصـة وعظيمة ، وأنهــا عـملية عسكريـة فذة قادها رسـول الله (صلى الله عليه وسلم) وذلــك لما واكب أحداثها من تطورات جسيمة وظهرت فيها أثار التربيـة النبوية في أصحـابه واضحــة جـلية وأينـعـت ثــمار الأخلاق الإسـلامية في المدرسة النبوية . ظهر ذلك كله مـن خــلال التهيؤ للخــروج لمقـــابلة الروم في وقت شــديد الحـرارة وبإمكانيـات لا تقــارن بأي حـال من الأحوال بما لــدى الــروم الذين أحرزوا لتوهم نصرا كبيرا على دولة قوية مجــاورة ( الفرس ) . في هذا الفصل سيتم التطرق للأوضـاع داخل الجزيرة العربية وخارجها والحضارات التي تقطن على حدود الدولة الإسلامية الــحديثة من الشـمال وكـذلك الروابط التي كانت تربط بين الحجاز مــن جهة ممثلة في القبائل العربية التي تقطن الحجاز وعلى رأسها قريش والشــام مــن جهة أخرى والقــبائل التي كــانت تسكن هناك وتخضع للإمبراطورية الرومانية ثم أسباب تلك الغزوة سواء المباشرة منها أو غير المباشرة .




2. الوضع العام في الجزيرة العربية قبل الغزوة.



كان الوضع فى الجزيرة العربية يشهد نشوء الدولة الإسلامية وبدء الرســول (صلى الله عليه وسلم ) يرسـى دعــائم النـظام السـياسي للدولة الجـديدة . والبـحث عن وحــدة سياسية ونظامية متكامـلة عـلى نمـط لم يـكن معـروفا في ذلـك الـوقت في الـبلاد المجاورة . وقـد كانت البـداية مـن تأكيد وحـدة المسـلمين والـقضـاء عـلى كـل الشـبه والفتن الـتي كانت تسبب العداء بين الفئات الإسلامية المختـلفة وقد كان بعض تلك القبائل أعداء ألـداء قبـل الإسـلام وكــانت الحــروب الطاحنة مستعـره والمخاصمـات على أشــدها . ولـكن الرســـول (صلى الله وعليه وسلم) بحكمته وبعــد نظــره آخى بـين المسلمــين وأزال الأحقاد والضغائن وتوحــدت بذلـك صفـوف المسلمــين .



بعد ترتيب الوضع الداخلي للدولة الإسلامية قام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بإقامة تحالفات سياسية مـع الـدول والقبــــائل المجــاورة وكان من ضمن هذه التحالفات مـا تم بـين الرســول (صلى الله عليه وسلم) وبـين اليهـود قبـل غـزوة بنى قـريضة مـن جهــة أخرى ، وقــد كانت تلك المعاهدة عبارة عن معاهدة صداقة وتحالف وتقرير لحرية الاعتقاد . وقــد اعتبرت تـلك المعاهــدات ( مـن الوثائق السياسيـة الجديرة بالاعجاب والاحترام على مر التاريخ )



وقد ازداد سلطان الدولة الاسلامية وشاع فى انحاء الجزيرة العربية الانبـاء عـن الـدين الإسلامي الـجديد وبالأخص بعــد أن استطـاع المسلمـون فتح مكـة المكرمـة . فقـد زاد شأن المسلمين قـوة لـدى سكان الجزيرة العربية ، وهم يرون البيت الحرام وما يتصل به مـن شئون السدانة والرفادة والسقاية وما يتصل بالحج من شعائر وادارة شئــون الحجـاج تنتقـل إلى المسلمــين . كمـا ان فـرض الزكـاة على المسلمين والخراج على المشركين زاد من هيبة المسلمين وذلك بسبب ازدياد نفقات الدولة الإسلامية الجديدة اصبح تنفيذ اجتباء الزكاة ينفذ بكل دقة ولم تحاول طائفة او قبيلة فى الجزيرة العربية أن تقاوم سلطان الرسول (صلى الله وعليه وسلم) والدولة الجديدة الا( بعث النبي إليها قوة تحملها على الإذعان بدفع الخراج والبقاء على دينها أو الإسلام ودفع الزكاة )



اما بالنسبة للمنافقين فقد استمروا على الرغم من قلتهم وتظاهرهم بالإسلام عـلى تثبيـــط الهمـم ونشــر الـروح الانهزامية وخـلق الفتن والمشاكل بين المسلمــين ولكنهـم لم يكونوا عـلى درجـة مـن الأهميــة بحيث يحسب المسلمــون لهم أى حساب كما انهم اصبحوا على مر الزمن معروفين لأهل المـدينة ولا تخفى أعمالهم على أحد وقد كان باستطاعة الرسول تطهير المدينة منهم لولا رغبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لإعطائهم الفرصة للتوبة والعودة إلى رشدهم .



واما بالنسبة للمشركين في شبه الجزيرة العربية فلم يبقى لهم أى قيمه عسكرية بعد إسلام قريش زعيمـة القبائل العربية وعميدة المشركين حيث انتشر الإسـلام في القبـائل العـربيـة انتشــارا ساحقـا واصبح إسـلام المتخلفــين مـن المشركين أمر لاشك فيه وقــد بـدأت وفــود المشركين تتسابق إلى المدينة المنورة لاعلان إسلامها واخـذ العـرب يدخلون في دين الله أفواجا . ( وقد لا يكون ذلك نابعا من قناعة وتفهم ويقين بالدين الجديد فقد أثبتت حروب الردة عكس ذلك تماما كما هو معروف جيدا بالتاريخ)



3.الوضع العام للحضارات خارج الجزيرة العربية .



أ.الرومـــــــــان. كان يحف بالمنطقة خطرا كبيرا يتهدد الدين الإسلامي والمسلمين بسبب وجود مجموعات من القبـائل التي تدين بالنصرانية وتحمل الحقد على الإسلام والمسلمين وكان من الممكن لها أن تجهز جيشا من مائة آلف مقاتل يداهم الإسلام في عقر داره لو ان صفوفها توحدت وكانت هذه الظاهرة مبعث قلق دائم لا يجوز الاستهتار بها ولاسيما بعد تجربة مريرة خاضها الجيش الإسلامي مع تجمعات من هوازن وثقيف فى غزوة حنين بالاضافة الى هذا الخطر الداهم تقوم جيوش رومانية نصرانية بشد أزر تلك القبائل من مواقعها على الحدود الشمالية والذي يمكن أن يشكل دعما عسكريا وتكون عمقا إستراتيجيا لقبائل الشمال النصرانية إذا ما فكرت القيام بعمل عسكري ضد القوه الإسلامية الناشئة لاسيما ان الرومان كانوا يتوجسون خوفا من اختراق المد الإسلامي حدود الشمال وينظرون إليه بعين الريبة والحذر وخاصة بعد أن أرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) رسالته الشهيرة الى هرقل ملك الروم خاصة أن الوضع العسكري للرومان جيدا وشعورهم بنشوة النصر على الإمبراطورية القوية المجاورة ( الفرس). كما أن ارتباطهم بدين واحد مع قبائل الشمال الحضرمية كانت كلها عوامل مشجعة تدفعهم إلى التفكـير بعمـلية عسكرية كبـيرة داخـل الجزيـرة العـربيـة لتـحقيق أهداف دينـة وسيـاسيـة واقتصـادية كمـا أن تذمـر النـاس مـن ظلم الحـكام الرومـان أدى إلى اعتناق الإسلام من بعض القبائل الخاضعة لسلطانهم مما يعنى اضطراب الوضع الداخلي للإمبراطورية الرومانية خاصة في بلاد الشـام وكـان من أهـمها إسـلام (فروة بن عمرو الجذامى) الـذي كـان قـائدا لإحـدى الفـرق الـرومانية التي قاتلت المسلمين في غزوة مؤتة حيث قبض عليه بأمر من هرقل بتهمة الخيانة وعرض عليه الإفراج مقابل العودة إلى المسيحية ، ولكنه أصر على إسلامه فقتل وقد أقض انتشار الإسلام بين نصارى العرب مضاجع الرومان مما جعلهم يفكرون بالقضاء على الدين الجديد قبل أن يستفحل أمره .



ب. الغساسنه.



( الغساسنة من ازد اليمن نزحوا تحت قيادة زعيمهم "عمر بن عامر" من جنوب الجزيرة العربية إلى بادية الشام بعد سيل العرم المشهور وذلك بسبب تدهور نظم الزراعة و أعمال الري في اليمن وقد قيل بأنهم لم يرحلوا مباشرة)



وقد كان يسكن مشارف الشام قبل نزوح الازد الغساسنة قوم يعرفون الضجاعمة من قبائل "بنى سليح بن حلوان" من قضاعة وقد غلبهم الغساسنة وحلوا مكانهم وعلى الرغم من تمكن الغساسنة من الانتصار في حربهم على "الضجاعمة" إلا انهم بقوا في مواضع أخرى في الشام حيث لم يتم القضاء عليهم نهائيا .



وكان واضحا تماما مولاة الغساسنة للروم وابقوا على صلات الولاء بينهم وبين الدولة البيزنطية حتى بعد احتلال فارس لبلاد الشام والتي تمكن فيها الفرس من غزو شمال سوريا والاستيلاء على مدن كثيرة مثل الرها ، منبج ، قنسلين ، انطاكيا .



وقد كانت الأرض التي أطلق عليها الرومان ( ستراسا ) هي سبب النزاع بين الغساسنة والمناذرة وهى البادية الواقعة جنوب تدمر وقيل إنها الأرض الممتدة على جانبي الـطريق مـن دمشق إلى ما بعد تـدمـر حتى مـدينـة "سيرجـوس" وقــد ادعـت كــل مـن الـدولتــين ( الغساسنة والمناذرة ) بان قبائل العرب الضاربة في هذه الأرض تخضع لسلطانها وأنها تدفع الجزية لها ولهذا قامت الحرب بينهما وهزمت جيوش المنذر بن النعمان ملك الحيرة وغنم الحارث الغساني غنائم كثيرة .



في عام 541م شن الروم بقيادة " بليزاريوس " حملة على الفرس اشترك فيها" الحارث الغساني " إلى جانب البيزنطيين ولم يكد يبلغ نهر دجلة حتى ارتد عبر طريق آخر غير الطريق الذي سلكه . وقد أثار هذا التصرف شك الروم حول ولاء الحارث والغساسنة لهم . وقيل أن السبب الحقيقي هو عدم رغبة الحارث في أن يكون تابعا للروم وتحت قيادة رومية والدليل على ذلك انه بعد مضي ثلاث سنوات قامت حرب بين الغساسنة بقيادة الحارث والمناذرة أدت إلى هزيمة الغساسنة واسر أحد أبناء الحارث حيث قدم فيما بعد للإلهه ( العزى ) . ولم يحتمل الحارث هذه الهزيمة وهذا التصرف فشن حرب أخرى انتصر فيها هذه المرة . واستمر التوتر بين المعسكرين حتى تم عقد هدنة بين الفرس والروم عام "546"م .



يتضح مما سبق كيف كانت الأوضاع السياسة في أطراف الجزيرة العربية حيث تميزت بالتحالفات والدعم السياسي المتبادل ومحاولة السيطرة وفرض الهيمنة وانتهاز الفرص السانحة لكسب ولاء القبائل العربية أو إرغامها على دفع الجزية .



أما بالنسبة لعلاقة الغساسنة بالرسول (صلى الله وعليه وسلم) فترجع إلى بداية ظهور الدعوة الإسلامية وخاصة في عصرها المكي ( حينما عرض الرسول "صلى الله وعليه وسلم" نفسه على القبائل في منازلها ، وطلب نصرتها وقيامها بدين الله ، وقد كانت هذه القبيلة من القبائل التي عرض عليها ذلك ، إلا أنها كغيرها من القبائل العربية كانت اشد إعراضا وبعدا من الاستجابة ) .



في السنة السادسة للهجرة بعث الرسول (صلى الله وعليه وسلم) "شجاع بن وهب الاسدى" وهو أحد السابقين إلى الإسلام ، بعثه الرسول إلى" الحارث بن أبى شمر الغساني" الذي كان يحكم دمشق وتخوم الشـــام والأردن والبـلقـاء وكان مضمون الرسالة هو " الدعوة إلى الإيمان بالله الواحد الذي لا اله إلا هو ويعده بتمليكه إن هو أجاب " .



وتفيد المصادر إلى أن موقف الحارث كان الرفض المطلق . بل لقد أمر قواته بالتجمع لغزو النبي (صلى الله وعليه وسلم) وكتب لقيصر الروم يخبره بذلك فلم يوافقه على مشروعه وإنما أمره أن يتوافق وإياه إلى ايليا ( القدس ) .



وقد كان للمكانة السياسة التي يحتلها الغساسنة منزله سامية بين القبائل العربية لدى الروم مما جعلهم يكونون موضع اهتمام الرسول (صلى الله عليه وسلم) .



ولكن تعاظم شأن المسلمين في تلك الفترة اصبح أمرا ملفتا للنظر مما جعلهم مع أسيادهم البيزنطيين يشعرون بالخطر الذي يتهددهم فكانت لهم محاولاتهم الحثيثة للقضاء على الصف الإسلامي وتمزيقه حتى من الداخــل وقـد ظهـر ذلـك من الرسالــة التي وصـلت إلى ( كعب بن مالك ) وكان من المخلفين في المدينة عندما سمعوا بهجره من قبل الرسول وأصحابه . والتي رغبوا فيها أن يلحق بهم ليواسوه جراء ما لحق به .



وقد كان للمصالح المشتركة بين الغساسنة والدولة الرومانية الدور الأساسي في تمتين الروابط والعلاقات بين الدولتين وقد قاموا كعيون تجسس واستطلاع للروم على المسلمين وكذلك إيواء المعارضة الإسلامية مثل ( طليحة بن خويلد الاسدى )



4. صلة الشام بالحجاز .



كان هناك روابط جغرافية وتجارية بين الشام والحجاز قبل بزوغ شمس النبوة في مكة المكرمة . وكانت هجرة القبائل العربية من جنوب الجزيرة العربية المتجهة إلى الشام تمر في طريقها على الحجاز كما أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان قد عرف الشام قبل البعثة من خلال رحلاته التجارية .حيث كان قد وصل إلى بصرى من ارض الشام عندما كان عمره تسع سنوات مع عمه أبو طالب . ثم خرج مرة أخرى إلى الشام عندما عرضت عليه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ( رضى الله عنها ) الخروج في تجارتها إلى الشام عندما بلغها صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه .



وقد كان الروم يأتون إلى مكة لممارسة التجارة ،ويفرغون بضائعهم في موانئها .



أما بالنسبة للروابط الجغرافية فقد كانت منازل ثمود تقع على حدود المنطقة المسماة ببلاد العرب الحجرية التي سميت فيما بعد(فلسطين ) .



وعندما كانت مكة ارض صخرية لا ماء فيها ولا زرع امتاز أهلها على غيرهم بالتجارة وقد ذكر ذلك القران الكريم في سورة قريش وعرفت رحلات التجارة برحلتي الشتاء والصيف . مما جعل الروم يحرصون دائما على إدامة وتمتين العلاقات مع قريش لما في ذلك من مصالح اقتصادية مشتركة . وقد وقعت غزوة بدر الكبرى في أعقاب اعتراض الرسول (صلى الله عليه وسلم) لقافلة كانت في طريقها إلى الحجاز من الشام محملة بالأموال والمؤن لابى"سفيان بن حرب" . كل ما سبق يدل على ما كان من صلات ثقافية وسياسية واقتصادية بين الشام والحجاز تمثلت في الرحلات التجارية وما يترتب عليها من اتفاقات وأسواق موسمية كانت تعقـد بشكل منتظم في أرجـاء الـجزيرة العـربية كسوق "عكاظ , مجنه , ذو المجاز " .



5 . أسباب غزوة تبوك .



تعددت أسباب غزوة تبوك كما يتضح مما سبق ولكن يمكن تحديد أسباب هذه الغزوة إلى ما يلى:



أ . أسباب مباشرة .



تتمثل الأسباب المباشرة في تحشد قوات الروم لغزو حدود العرب الشمالية والقضاء على سلطة الإسلام .



ب . أسباب غير مباشرة .



(1) حماية حرية نشر الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية بعد انتشارها في الداخل .



(2) تقوية معنويات القبائل العربية الخاضعة لسلطان الروم وأخذت تقبل على اعتناق الإسلام



(3) محو آثار انسحاب المسلمين من مؤتة من النفوس .



وقد ورد أن القبائل العربية المتاخمة للشام نظرت الى أعمال المسلمين في غزوة مؤتة بإعجاب شديد مما حدا ببعض زعمائهم أن يعتنق الإسلام ( كفروة بن عمرو الجذامى ) وقد كان أحد قادة هرقل الذي قتله بعد أن عرض عليه العودة إلي النصرانية حيث قيل أن هرقل خشي من قيام المسلمين بحملة انتقامية لمقتل " عروة " فقرر مهاجمة الدين الإسلامي قبل أن يهاجمه المسلمون .



كما إن شعورهم بنشوة نصرهم على الفرس دفعهم إلى التفكير بعملية عسكرية كبيرة للقضاء على الدين الإسلامي قضاءا مبرما بعد أن تعددت الأسباب التي يرون أنها تدعوا للقيام بمثل هذه العملية العسكرية .





الفصل الثاني



استعدادات المسلمين والروم قبل غزوة تبوك



1 . المقدمة. في الفصل الأول من هذا البحث تم الحديث عن الوضع العام قبل الغزوة في الجزيرة العربية وكيف كانت أحوال المسلمين في ظل نشوء دولة على أسس لم تكن معروفة من قبل وبعض انعكاسات بعض الحوادث على القبائل العربية المختلفة ثم تطرقنا للحديث عن الوضع العام للحضارات التي كانت موجودة في خارج الجزيرة العربية ولها دور ما في قيام هذه الغزوة وبعض الحوادث المهمة في تلك الحقبة الزمنية ثم العلاقات التي كانت تربط بين الشام والحجاز سواء في الجاهلية أو في أول عهد الدولة الإسلامية وكيف أن العلاقات التجارية الهامة التي كانت بين قريش خاصة والروم كان لها آثار سياسية واقتصادية واجتماعية هامة حرص الروم على بقاء تلك الروابط مع القبائل العربية في جزيرة العرب . ثم أسباب غزوة تبوك التي كانت عبارة عن أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة وقد كان لانزعاج الدولة البيزنطية القوية من الدين الإسلامي والدولة الإسلامية الجديدة اكبر الأثر في نفوسهم التي كانت منتشية بفوزها الكبير على الفرس . وفى الفصل التالي سيتم الحديث إنشاء الله عن الاستعدادات التي بذلها الطرفين المسلمين والروم قبل الغزوة والظروف التي واجهها كل منهما للتحضير لمقابلة الجيش الآخر .



2 . استعدادات المسلمين .



اكتسبت غزوة تبوك لدى المسلمين أهمية بالغة ظهر ذلك جليا من عدة وجوه لعل أحد تلك الوجوه هو الاستعدادات التي بذلها المسلمون للتجهيز لتلك الغزوة وقد كانت هذه الغزوة هي الأولى والوحيدة التي صرح الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه باسمها ، وأطلعهم عليها منذ البداية . وقد تم ذلك لعدة أسباب ومنها:



أ . بعد المسافة التي تفصل بين المدينة المنورة والموقع المتوقع مقابلة العدو فيه . والتي تقدر بألف كيلو متر على الجمال والخيول أو مشيا على الأقدام .



ب . خطورة الموقف من جانب المسلمين حيث إن المعركة تعتبر حاسمة ومصيرية حيث كان الروم يهدفون لاقتلاع الدين الإسلامي برمته .



ج . وجوب الاستعداد بالطعام والشراب والسلاح والاستعداد النفسي في فصل الصيف شديد الحرارة .



لقد كانت دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) المسلمون للتهيؤ وتجهيز جيش كبير في شدة القيض وما يترتب على ذلك من هجر المسلمين لأبنائهم ونساءهم وأموالهم ليقطعوا فيافي وصحارى مجدبة قليلة المياه . ومن ثم يلقوا عدوا متمرسا في القتال غلب الفـرس ولم يقـهره المسلمون .دليـلا قـاطعا على ما يكنه أصحـاب الرسول من حب عميق له إيمانا وتـصديقا لما جاء به وتعـلقـا بـديـن الله بقلوب مليئة هدى ونورا ونـفوس مغمورة بضيــاء الإيـمان. وعـندمـا كانـت التزامات الــدولـة الإسلامية الحديثة في ازدياد بعد أن زاد عدد المسلمين وبعد أن فتحت مكة المكرمة واصبح المسلمون معنيون بجميع شئون الحج والحجاج وخدمة وسدانة الكعبة المشرفة . لكل الأسباب السابقة استنفر الرسول (صلى الله عليه وسلم) قبائل البوادي ومدن الحاضرة والموسرين من أصحابه لدعم بيت مال المسلمين وسد حاجة الجيش فهب الفقراء قبل الأغنياء ودفع نساء الصحابة ما لديهم من مال بشكل لم يسبق له مثيل ولم يلحق به نظير فيما بعد .( فترى عثمان بن عفان رضى الله عنه اخذ على عاتقه تجهيز ثلث الجيش بكل ما يحتاجه . أما أبو بكر الصديق رضى الله عنه فقد جاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتبرع بكل ماله . وجاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه بنصف ماله وتبرع عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه بمائتي أوقية من الذهب )



لقد تم تسميت هذا الجيش باسم عرف به ويصف هذا الاسم بكل وضوح الصعوبات الكبيرة التي واجهها المسلمين في تجهيزه حيث سمى بجيش " العسرة " ( والعسرة في اللغة هي عكس اليسر وعسر الزمان هو اشتداده "والعسر والعسرة" هو الشدة والضيق وقلة ذات اليد ) .



كل ذلك يبين كيف أن تجهيز ذلك الجيش كان صعبا جدا واختبارا حقيقيا لقوة الإيمان وعرف بعض المنافقين الذين كانوا مندسين بين صفوف المسلمين عن طريق تأخرهم عن المشاركة في تجهيز ذلك الجيش أو التخلف تماما عن الحشد الإسلامي الكبير .



وقد انتهز المنافقون فرصة شدة الحر ونضوج الثمار وطول المسافة وقوة العدو فاخذوا يثبطون العزائم وينشرون الروح الانهزامية بين المسلمين . ولكنهم فشلوا في محاولاتهم إذ لم يتخلف من المسلمين غير ثلاثة رجال وهم ( كعب بن مالك ومراره بن الربيع وهلال بن امية ) الذين اشتهروا بسبب ذلك التخلف ونزل فيهم قرآن يتلى حتى يوم القيامة كما إنا هجرهم من قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين في المدينة وضعهم أمام امتحان عظيم وقصتهم مشهورة ومعروفة ليس هناك مجال التحدث عنها بالتفصيل .



وكذلك فان الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقبل ان يستعن بالقوات التي جمعها رئيس المنافقين "عبد الله بن أبي" نظرا لان الرسول لم يكن يثق بإخلاص تلك القوات فبقى "ابن أبي" و أصحابه من المنافقين في المدينة المنورة مع من بقى من المسلمين من الذين لم يجد الرسول ما يحملهم عليه والذين تولوا و أعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون قال تعالى في سورة التوبة (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ) الآية 92 .



وقد كانت رغبة الرسول (صلى الله عليه وسلم) كبيرة بقمع المنافقين الذين يحرضون المسلمين على التخلف حيث رأى (صلى الله عليه وسلم) عدم التهاون معهم قبل أن يستفحل أمرهم ( حيث بلغه أن بعضهم يجتمعون في بيت "سويلم اليهودى" يثبطون الناس ويلقون في نفوسهم التخاذل والتخلف عن القتال فبعث إليهم "طليحة بن عبد الله فى نفر من الصحابة فحرق عليهم بيت سويلم ففر أحدهم من ظهر البيت فانكسرت رجله واقتحم بعضـهم النار فافلتـوا ولكنـهم لم يعـودوا لمثـلها وكــانوا مثلا لغيرهم ) .



وقد أحتشد خارج المدينة المنورة جيش إسلامي كبير قوامه ثلاثون ألفا من المسلمين في منطقة تقع إلى الشمال من المدينة المنورة وإلى الغرب من جبل أحد على بعد نحو ثلاثة أميال وتسمى تلك المنطقة ( الجوف ) .



وقد تم تعين القادة وحملة الرايات والألوية على الشكل التالي :



أ . أبو بكر بن الصديق رضى الله عنه حيث أعطاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) لواء الأعظم وهذا يعنى انه رضى الله عنه كان صاحب أعلى رتبة عسكرية في الجيش بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم).



ب . الزبير بن العوام وأعطاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) راية العظمى أي انه في المرتبة التالية بعد أبو بكر الصديق في ذلك اليوم .



ج . أسيد بن الخضير وأعطاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) راية الاوس .



د . أبو دجانة بطل أحد المشهور أعطاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) راية الخزرج .





3. تحرك الجيش الإسلامي .



تحرك الجيش الإسلامي قاصدا تبوك بحيث يمشى ليلا ويستريح نهارا ويقطع في كل يوم مسافة تقدر بحوالي ( 60 ) كيلو مترا وقد نزل الرسول ( صلى الله عليه وسلم) في خمسة عشر مسجدا قبل وصوله إلي تبوك عبر فيها الجيش الإسلامي أهوالا كبيرة واجتاز عقبات جمة ومر على صعاب كما انه مر على مساكن ثمود وشهد مسارح ناقة صالح وبئره الذي كان يتوضأ منها ويشرب من مائها وقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أصحابه أن يخرج أحدهم إلا ومعه صاحبه خوفا عليه من العواصف الرملية الشديدة التي كانت تهب في منطقة الحجر التي يمكن لها أن تطمر قافلة بكاملها . كما أن العطش اشتد على الناس بدرجة كبيرة لولا أن سقط المطر عليهم بعد أن طلب المسلمون من الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدعوا ربه ليغيثهم . وقد كان أحدهم ينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه من شدة العطش . ( وبعد أن دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الله سبحانه وتعالى أمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا حاجتهم من الماء وألا هلك كثير من الناس عطشا ) .



وقد بدا الجيش الإسلامي الكبير تحركه يوم الخميس من رجب فى العام التاسع الهجري .



وقد حدثت حادثة أثناء مسير الجيش الإسلامي وجد المنافقين فيها الفرصة كالعادة عندما يجدون أي مجال للغمز والهمز في جانب المسلمين ومن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) شخصيا حيث ( انه في أثناء الطريق وعندما توقف الركب للاستراحة أو للمبيت ظلت ناقـــــة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فخرج بعض أصحابه في طلبها فتأخروا وهم يبحثون عنها فقال أحد المنافقين وهو ( زيد بن اللصيت النضرى ) لبعض أصحاب رسول الله : أليس محمد يزعم انه نبي ويخبركم عن السماء ، فكيف لا يدرى أين ناقته ؟ وهكذا لما أبطأ الناس في العثـور على النـاقة قـال الرسـول (صلى الله عليه وسلم ) إني والله ما اعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها وهى ألان في هذا الوادي في شعب كذا وكذا قد حبستها شجرة بزمامها،فذهب نفر من المسلمين إلى ذلك المكان فوجدوا الناقة محبوسة بزمامها في إحدى الشجيرات فلما رجعوا بها قال زيد بن اللصت " والله لكأنى لم اسلم إلا اليوم وقد كنت شاكا في محمد وقد أصبحت ألان وأنا فيه ذو بصيرة واشهد انه رسول الله " )



وقد وصلت القوات الإسلامية إلى تبوك بعد أن عانت كثيرا من بعد المسافة وقلة المؤونة وصعوبة الطريق وشدة الحرارة وكل ذلك بسبب عقيدة راسخة تقوم على إيمان عميق لا يتزعزع وثقة بنصر الله لرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) .





4 . استعدادات الروم .



قام هرقل بحشد قوات كبيرة على حدود الشام الجنوبية استعدادا لمهاجمة المسلمين وقام بتوزيع رواتب سنة على قواته النظامية كما وزع أموال كبيرة على القبائل العربية الواقعة تحت سيطرته وذلك تشجيعا لها على مساعدة جيشه ثم وجه الطلائع إلى البلقان لتحويل الأنظار عن حشد قواته وقد وصل تعداد قوات الروم إلى نصف مليون مقاتل .



( وكان الأنباط يقدمون إلى المدينة بالدرمك ( دقيق الحوارى ) والزيت في الجاهلية وبعد أن دخل الإسلام فبينما كانت أخبار الشام عند المسلمين كل يوم لكثرة من يقدم عليهم من الأنباط . فقدمت قادمة فذكروا أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وان هرقل قد رزق أصحابه لسنة فجلبت معه لخم وجذام وغسان وعامله وزحفوا وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء وعسكروا بها وتخلف هرقل بحمص ) .



كما ذكر ان هرقل قد بعث رجلا من غسان إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فينظر في صفته وعلاماته والى حمرة عينيه والى خاتم النبوة بين كتفيه وقد سأل عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) فإذا به لا يقبل الصدقة وقام بجمع معلومات كثيرة عن شخص الرسول (صلى الله عليه وسلم) ثم عاد إلى هرقل وذكر له ذلك . وهذا يدل على أهمية المعلومات الاستخبارية عن الجيش المقابل من حيث العدد والعتاد وكذلك عن القادة وخواصهم وميزاتهم حيث أن ذلك قد يفيد العمليات العسكرية بل قد يؤدى التركيز على شخص القائد إلى كسب المعركة وتحقيق النصر .






الفصل الثالث





نبذه عن تبوك وما جاورها والقبائل المستوطنة حولها



1 . مقدمة . الحمد لله الذي نصر عبده وهزم الأحزاب وحده ، وبث الرعب في صفوف المشركين لمسيرة شهر .



في الفصل السابق تم استعراض ما قام به المسلمون من استعداد لتجهيز جيش العسرة والصعوبات التي واجهها ذلك الجيش الإسلامي الأكبر حتى تلك الغزوة سواء من حيث التجهيز أو الوقت الصعب شديد الحرارة أو حتى الطريق الذي سلكه وما كان يعترض من مصاعب وبعض أعمال المنافقين في صفوف الجيش الإسلامي . أما في هذا الفصل فانه سيتم بمشئية الله معرفة تبوك من حيث الموقع والطبيعة الجغرافية وبعض القبائل التي استوطنتها والأهمية التي كانت تحتلها تبوك .



2 . تبوك .



تقع تبوك في شمال جزيرة العرب وتغطى مساحة شاسعة تقدر حاليا ب ( 104000 ) كيلو متر مربع ويحد تبوك المدينة شمالا (القصائم) وجنوبا جبال رايس والهضمية ومن الشرق الأخضر والاثيلى ومن الغرب مربط المهره . أما حدود تبوك المنطقة فيوجد شمالها حالة عمار وبئر بن هرماس ومشارف حقل وفى الجنوب مدينة املج وفى الشرق تيماء ومركز فجر وفى الغرب البحر الأحمر.



تتألف منطقة تبوك من أنواع متعددة من التضاريس أهمها :



أ . الساحل . الذي يمتد إلى مسافة خمسمائة كيلو متر جنوبا وتقع عليه ثلاث مدن هي ضباء ، الوجه واملج وعدد كبير من القرى.



ب . سهول منبسطة . ترتفع عن سطح البحر حوالي سبعمائة متر وتقع فى الجزء الشرقي من المنطقة . وتشغل حوالي نصف مساحتها وتضم كل من تبوك وتيماء ومجموعة من القرى .



ج . سلسة من الجبال . وهى جبال تفصل المنطقة الساحلية عن المنطقة الداخلية ويجد عدد كبير من الأودية التي يقطن على ضفافها عدد كبير من القرى .



ونظرا لارتفاع تبوك عن سطح البحر فان مناخها معتدل وتصل درجة الحرارة العادية إلى ( 29 ) درجة مئوية صيفا والمعدل الأقصى يصل الى ( 41 ) درجة مئوية أما في الشتاء فان معدل درجات الحرارة يتراوح بين (9) درجات تحت الصفر كحد أدنى و (17) درجة مئوية كحد أعلى .



أما تسميت تبوك بهذا الاسم فيقال أن اصل التسمية هي كلمة (TABU) أو (TABOO) اللاتينية والتي تعنى ( المكان المنعزل وذلك لانعزال تبوك عن شبه الجزيرة العربية في الجنوب وكذلك عن بلاد الشام في الشمال . ويعود تاريخ تبوك إلى ما قبل الميلاد بحوالي خمسمائة سنة حيث كانت تعرف باسم " طابو " وقد كان الاسم يدل على تبوك ومدينة العلا عاصمة العيانيبن . كما انه بذكر منطقة تبوك كانت أرض " مدين و دادان " اللتان ورد ذكرهما في الكتب المقدسة . وتبوك لاتزال من المناطق الغنية بالآثار التاريخية التي يدل بعضها على ما قبل ظهور الإسلام وما يدل على بعض الأحداث أو الدول والقبائل التي استوطنتها . وقد كانت مركزا هاما للتجارة وممر للقوافل التجارية التي كانت تمرها في طريقها ذهابا وإيابا إلى كل من الحجاز والشام وهى الآن تحتل مكانة هامة وكبيرة بين مدن المملكة العربية السعودية حيث هي مدينة جمعت أصالة الماضي وحداثة الحاضر .



أما بالنسبة للآثار التاريخية في تبوك وهى دليل واضح على عراقة المدينة الجميلة ومنها مايلى :



أ . مسجد التوبة . ويسمى أيضا مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك انه ( صلى الله عليه وسلم ) قد أدى الصلوات فيه بضع عشرة ليلة خلال ( غزوة تبوك ) . وقد بنى المسجد في بادي الأمر من الطين وسقفت بسعف النخيل . وقد تم تجديد بناءه عام 1062 هـ . و أخيرا تم تجديد بناءه في عهد الملك فيصل ال سعود يرحمه الله حيث هو الآن قريبا في مواصفاته من المسجد النبوي الشريف .



ب . قلعة تبوك الأثرية . وهى منزل أصحاب الأيكة الذين ورد ذكرهم في القران الكريم ويقدر عمر القلعة بحوالي ثلاثة آلاف سنة . وقد تم تجديد بناءها عدة مرات كان آخرها عام (1062) هـ .



ج . عين السكر . وهى عين قديمة كانت موردا هاما للعرب أيام الجاهلية وقد كانت المصدر الوحيد للماء في المنطقة . ويقال أنها البئر التي شرب منها الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك . وقد جف ماءها عام 1382هـ . وتبوك الآن واحة غناء ذات جنان خضراء مترامية وهذا تصديقا لما اخبر به الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة تبوك حيث ورد انه قال ( صلى الله عليه وسلم ) " إنكم ستأتون غدا إنشاء الله عين تبوك وإنكم لن تنالوها حتى يضيء النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي : قال معاذ بن جبل رضى الله عنه فجئنا وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الزلال تنبض من مــاء ( كناية عن قـلة تـدفق المــاء مـنها لـدرجة كبـيرة فسألهما : " هل مسستما من ماءها شيئا ؟ قالا . نعم فقال لهما ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا بأيديهم قليلا حتى اجتمعا في شيء ثم غسل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فيه وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجاءت العين بماء كثير فاستقى الناس ثم قـــال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) " يوشك يا معاذ إن طالت بك الحياة أن ترى ما هاهنا قد مليء جنانا " . كما يوجد في تبوك بعض الآثار التاريخية مثل ( الحصون العثمانية ومحطة سكة حديد الحجاز ) وغيرها .



3 . القبائل العربية التي استوطنت الشام .



(أ). قضاعة. تعد قضاعة شعبا عظيما من الشعوب العربية قيل أنها من حمير القحطانية ويرى البعض أنها قبائل عدنانية . كانت منازلهم في الشحر ثم في نجران ثم في الحجاز وانتقلوا أخيرا إلى الشام ونزلوا في أطرافه وقد كانت ابرز تجمعاتهم في بادية الشام ودومة الجندل . وقد سكن بنو جرم وهم من بطون قضاعة مدينة غزة في فلسطين وقد كان لهذه القبيلة ملك مابين الشام والحجاز إلى العراق في ايلة ( قريبة من خليج العقبة وتسمى اليوم ايلات ) وجبال الكرك إلى مشارف الشام وهى قرية قرب حوران .



لقد كانت هذه القبيلة تتمتع بقوة ظاهرة وان لها اثر كبير في تلك المناطق وقد ولاها الروم على من ببادية العرب حيث كانت سياسة بيزنطية تقوم على اجتذاب القبائل العربية ذات الشوكة إلى جانبها لضمان وقوفها في صفهـا وكان الملك فيهم في ( تنوخ ) ثم غلبتهم ( سليح ) وكانت الرياســــة فى ضجعـــــــم ( سليح ) وقد كانت قبائل وثنية تعبد الأصنام واشتهر من أصنامهم ( الاقيصر ) الذي كانوا يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده ثم انتشرت النصرانية بينهم.







(ب). قبيلة سليح والضجاعمة .



تعتبر هذه القبيلة من اقدم القبائل وقد تغلبت على ( تنوخ ) الذين كان لهم الملك في القبائل العربية في الشام . وقد ملكتها الروم نظرا لتنصرها وقد اضمحل أمرهم شيئا حتى غلبهم غسان وذهب ملكهم .



(ج). قبيلة تنوخ .



نزلت هذه القبيلة الأنبار( مدينة غربي بغداد على بعد 65 كم ) والحيرة ( مدينة كانت على بعد ثلاثة أميال عن الكوفة ) وكانوا يسمون عرب الضاحية عند ظهور الإسلام . وقد استقروا أخيرا في كثير من مدن الشام كحلب وقنسرين ( مدينة إلى الجنوب الغربي من حلب بمسافة 15 كم ) وحماه وكانت هذه القبيلة أول قبيلة نزلـت عـلى التخوم الرومـانية مما حـدا بالـروم إلى استمالتهم بالمعاهدات والاتفاقيات وقد تنصرت هذه القبيلة حينما قدمت إلى الشام ( ولكن بعضهم اسلموا بعد الفتح بقليل وذلك بعد أن قدم عليهم ابوعبيدة حيث دعاهم إلى الإسلام فاسلم بعضهم )



(د). قبيلة كلب .



قبيلة كلب بطن عظيم من القحطانية كانت تنزل في الجاهلية في دومة الجندل وتبوك وتيماء وشيرز والسماوه كما كانوا ينزلون حلب وقراها وتدمر والبعض سكن غوطة دمشق كما سكنوا حمص والسويداء وجبل ستير 0 جبل بين حمص وبعلبك . وقــــــــــد انتشرت بينهم الوثنية وقد اسلم فيهم من اسلم كدحيه بن خليفة الكلبى واسامة بن زيد الكلبى رضى الله عنهما . ولكن النصرانية انتشرت بين هذه القبيلة حيث كانوا يقيمون في مجتمع يدين بالنصرانية حيث اعتنقها الكثير منهم .



(هـ). قبيلة بنى ألقين . كانت هذه القبيلة تتمتع بقوة بشرية ولها ثروات واسعة في أكتاف الشام حتى وقفوا بذلك مع قبيلة كلب على قدم المساواة .



(و). قبيلة جذام . وهى بطن من القحطانية ولها فروع كثيرة مثل غطفـان وامصـى وبنو خبيب وبنو بعجة وغيرها وكانت تنزل حوالي ايلة من أعمال الحجاز إلى ينبع من أطراف يثرب وكذلك لها فروع نزلت في القدس الشريف كبنى صخر وبعضها نزل بالبلقاء في الشام .



(ز). قبيلة عاملة . هي بطن من القحطانية مركزها الرئيس في جبـل مسمى بها ( جبـل عاملة ) وهو جبـل يشرف على طبرية وعـكا وسكن بعضـهم مشـارف الشـام حيث كان يوجـد صنمهم ( الاقيصر ) الذين كانوا يحجون إليه ويحلقون رؤوسهم عنده . وهى من القبائل التي استعدت للقتال مع الروم ضد الجيش الإسلامي في هذه الغزوة .



(ح). قبيلة طي . هي قبيـلة لهـا بطـون كثـيرة ومن أعلامها في الإسلام زيد الخيل الذي غير الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) اسمه إلى زيد الخير وعدى بن حاتم . وكانت الوثنية منتشرة فيها إضافة إلى النصرانية .



(ط). قبيلة بنى مهراء . بطن من قضاعة القحطانية أصلهم من اليمن ومنهـم الصحـابي المشـهور المقداد بن الأسـود وكانت منازل هذه القبيـلة شمـالي منـازل بلى من ينبـع إلى عقبـة ايلة كما سكن بعضهم على ساحل البحر الأحمر . كما نزل بعضهم حمص . وقد كانت النصرانية منتشرة فيها .



(ك). قبيلة بلى . وهى من قضاعة من القحطانية وكان منهم الصحابي كعب بن عجرة الأنصاري وسهل بن رافع والمجذر بن زياد و أخوه عبد الله بن زياد. والأخوين شهـــــدا بدر مع المسلمين . وقد سكنت هذه القبيلة الكبيرة بعض أراضي الحجاز بين تيماء والمدينة المنورة وبعضها استقر في جبل التين في الشام وبعضهم في البلقاء .



(ل). قبيلة بنى عذرة . هي بطن من قضاعة مشهورة بشدة العشق وغلبة الهوى ومنهم الصحابي خالد بن عرفطة وثعلبة بن صغير . وقد امتدت مساكنهم إلى ايلة .



(م).قبيلة جهينة . من قضاعة من القحطانية منهم بنو رشدان وبنو غطفان ومن أعلامهم من الصحابة وراوي الحديث عن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) زيد بن خالد الجهنى رضى الله عنه . وقد نزلت أطراف الحجاز بجوار بلى بناحية حقل من تيماء كما استقر قسم منهم في حلب وحماه .



(ن).قبيلة لخم . من كهلان من القحطانية ومنهم الصحابي الجليل تميم الداري أخيه نعيم بن اوس ( رضى الله عنهما ) . وقـد كـانـت الوثنيــة منتشرة بينهم حـيث كــان لهم صنـم يـدعى ( المشترى ) يشترك فيه مع جذام وقد سكنت بين مصر والشام حوالي العريش وبعضهم في الجولان وسكن بعضهم فلسطين .



الفصل الرابع





نتائج غزوة تبوك والدروس المستفادة منها



1 . المقدمة . لقد كـانت سياسة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) تختلف باختلاف زيادة الداخلين للدين الإسلامي وقوة الدولة الإسلامية . كما أن سعيه لموادعة قبائل تهامة في شمال الحجاز والقبائل التي تحد إلى أطراف الشام ودعوته ( صلى الله عليه وسلم ) بين القبائل لكسبها للإسلام أو كسب بعض أفراد تلك القبائل . ونظـرا أيضا لعـالمية الدعـوة الإسـلامية فكان لابـد من الالتفاف إلى بلاد الشام بعد أن استتب الوضع في المدينة المنورة وثم فتح مكة . هذا الفصل إنشاء الله سيتم التعرف على نتائج غزوة تبوك والدروس المستفادة منها بعد أن عرفنا في الفصل السابق تبوك في الحقبة الزمنية السابقة والحالية وكذلك القبائل التي استوطنت تبوك .



2 . أهمية الشام للدعوة الإسلامية .



كان لابد للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) الالتفاف إلى الشام وقد انشر الدين الإسلامي فيها ونظرا لما كانت تتمتع به القبائل في الشام مـن صـلات تـجارية وسياسية هـامة ببقيـة القبـائل في الحجـاز وبالأخص قريش لذا كان لابد من دعوتهم وكسبهم . كما أن الدولة البيزنطية أصبحت هي الخطر الداهم على الإسلام نظرا لنفوذها وعلاقتها وهيمنتها القوية على قبائل الشام . زاد من ذلـك انزعاج ملك الرومـان من الأخبــار التي تصـله دائمـا عـن الدولة الإسلامية في جزيرة العرب والتململ وعدم الانضباط من بعض القبائل التي بدأت تدخل الدين الإسلامي الجديد . وكذلك فان المسجد الأقصى وما يمثله من مكانة لدى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) حيث هو مسرى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وثالث الحرمين كان في الشام الذي يرزح جله تحت السيطرة البيزنطية .



لذا فانه كان للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) علاقات مع الشام تتمحور حول ما يلى :



1. العلاقات الحربية .والتي تشمل على الغزوات والسرايا .



2 . العلاقات السلمية . وتشمل على الوفود التي قدمت على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من قبائل الشام والمكاتبات التي تمت بينه (صلى الله عليه وسلم ) وبين تلك القبـائل وقـد كـان تحرك الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) باتجاه الشام منسجما مع خططه ( صلى الله عليه وسلم ) التي تقضى بضرورة التوجه إلى الشام لأسباب تاريخية واقتصادية وإستراتيجية حيث أن وجود قبائل عربية كبيرة متنصرة ولها روابط نسب وعلاقات ثقافية وتجارية مع الحجاز قد يصل بها في النهاية إلى اعتناق الإسلام . كما إن منطقة تبوك ومناطق شمال الجزيرة العربية تميزت بالغنى الكبير المتمثل في المقام الأول فى الثروة الحيوانية من ماشية وابل وواحات خصبة ومراعى وفيرة .



3 . نتائج الغزوة .



حققت غزوة تبوك نتائج ومهام متعددة يمكن حصر بعضها فيما يلي :



أ . كانت غزوة تبوك تجربة كبيرة لمستقبل التعبئة النفسية والاستعداد العسكري للحروب الإسلامية المقبلة .



ب . عقد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) خلالها كثير من معاهدات الصلح مع زعماء وملوك القبائل التي تقع على الطريق التجاري بين الشام والحجاز .



ج . أصبحت بلاد الشام تشكل أهمية عظمى للدولة الإسلامية وتشكل خطر الدفاع الأول للدولة الإسلامية في المدينة المنورة .



د . تم ربط القبائل الشمالية بحكومة مدنية واحدة تفرض النظام ويستتب الأمن في ربوعها وربط جميع القبائل بالمواثيق والعهود التي تم وضعها وتحقق بها ترتيب الأوضاع الداخلية للدولة الإسلامية .



ويذكر اللواء محمود شيت خطاب في كتابه الرسول القائد بعض النتائج ومنها :



أ . رفع معنويات المسلمين تجاه الروم وحلفاءهم . حيث اعتقد المسلمون أن بإمكانهم محاربة الروم والتغلب عليهم حينما كانوا لا يستطيعون مجرد الحلم بالقيام بأي اعتداء على الدولة الرومية في عقر دارها .



ب . تم القضاء التـام على تـردد المتخلفين عـن الإسـلام مـن العرب عندما شعروا بقوة الدين الإسلامي الذي هدد الدولة الرومية فكيف لا يتم القضاء على القبائل العربية الأقل تنظيما عن الروم .



ج . استطاع الرسو ل تنظيم نقاط ارتكاز على الحدود الشمالية التي تربط شبه الجزيرة العربية ببلاد الشام الخاضعة للرومان وذلك بعقد التحالفات والمعاهدات مع سكان تلك المنطقة بل وإقبال بعضهم على الإسلام وقد سهلت تلك النقاط على الفتح الإسلامي في عهد الخلفاء الراشدين المهمة فيما بعد .



4 . دروس من الغزوة .



كانت غزو ة تبوك مدرسة علم فيها الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) الكثير من الدروس وأعتبر فيها عددا اكبر من الذين كانوا معه أو من درس تاريخ غزوات الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ونتائجها . هي الغزوة التي لو تم دراستها من واقع مادي بحت لما توصل الباحثون إلى المعاني الإسلامية والعبر والتثبت من دعم الله سبحانه وتعالى لنبيه و أصحابه والمجاهدين في سبيله وفى سبيل الدين الإسلامي وعلو كلمة الله تعالى . فلو تم النظر على أساس العدد في المقاتلين فان كفـة الـروم اكـبر وبمـا يقـارب مـن (8) أضـعاف الجيـش الإسلامي كما أن عتاده افضل وأمضى من عتاد الجيش الإسلامي . وكـذلك فـان الـحـالة المعنـوية عـالية نتيجة لانتصارهم على الفرس وتمتعهم بمرتب سنة مقدما وعدم تكبدهم عناء الانتقال من مكان إلى آخر كما هو الحال لدى الجيش الإسلامي الذي واجه صعوبة كبيرة في تجهيزه وعانى كثيرا من قلة الماء وطول المسافة وحرارة الطقس والمكائد التي كان يقوم بها المنافقون في الجيش الإسلامي الذي يعتبر كما ذكر لقمة سائقة للروم . والجيش الرومي الذي ولى هاربا وتفرق ولم يجد الجيش الإسلامي ما يقابله . ولكن لدى أي بـــاحث إسلامــي الجواب الكــــافي الشـــافي مــن سنة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فعن جابر بن عبد الله رضـــى الله عنه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسير شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل و أحـلت لي الغنـائم ولم تـحل لأحـد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عـامة " . إن مـا حـدث في غزوة تبوك يعتبر معجزة مـن معجزات النبي ( صـلى الله عـليه وسلم ) وهـبة مـن الله سبحانه وتعالى لنبيه تصديـقا لما جاء به . لقد نصر الله سبحانه وتعـالى نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بـان بـث الرعب في صفوف الروم وجيشهم العرمرم فولت جحافلهم هاربة من المنطقة لمجرد وصول أنباء سعى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لقتالهم ويمكن تلخيص بعض الدروس المستفادة فيما يلي :



أ . الإعلام الصادق . لقد كانت نوايا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) واتجاهات عملياته العسكرية دائما تحاط بالسرية والكتمان وقد يقوم بأعمال خداعية للتضليل عن الاتجاه الحقيقي إلا في غزوة تبوك حيث أعلن عنها صراحة وبين ما ينطوي عليها من مخاطر وصعوبات وما تحتاج إليه من استعداد مادي ونفسي .



ب . الربط بين العسكرية والاقتصاد . ظهر ذلك جليا من المسلمين واستجابتهم الفورية للجهاد في سبيل الله ودعم المجهود الحربي والتسابق لخير الجيش الإسلامي وقد كان الجهاد بالمال كالجهاد بالنفس وكل ذلك في سبيل الله وبيان لما لكل منها من تأثير على الآخر والرابط بينهما وثيق من عدة وجوه منها :



(1) . الاقتصاد له دور حيوي في بناء القوة العسكري وتأمين سلامة الأمة .



(2) . التنمية الاقتصادية يجب أن تراعى في أهدافها وخططها الاعتبارات الاستراتيجية .



(3) . الاقتصاد في وقت الأزمات يوجه كليا لتلبية الاحتياجات العسكرية ولابد أن يتم تكييف الاقتصاد لتلبية حاجات الحرب الأساسية .



ج . التعبئة الاقتصادية فريضة وتكليف . استجابة المسلمين لنفير الجهاد وهو في الواقع فريضة وتكليف لعموم أبناء الأمة الإسلامية والقادرين على القيام بأي أعباء مالية أو بدنية تجاه تجهيز الجيش الإسلامي .



د . قوة العقيدة و إرادة القتال . إن الإقبال على الانضمام في صفوف الجيش الإسلامي في غزوة تبوك أظهرت قوة عقيدة المجاهدين في سبيل الله على الرغم من معرفتهم المسبقة بما قد يواجهونه من مشاق وصعاب وقصة البكائين وابوخيثمه وابوذر الغفـــــارى رضى الله عنهما خير دليل على ذلك .



هـ . عقاب المتخلفين . وقد كان المتخلفين في هذه الغزوة نوعين أحدهما المنافقون الذين كان للرسول ( صلى الله عليه وسلم ) موقفا حازما وواضحا منهم أو من المسلمين الذين لاشائبه في إسلامهم وهم ثلاثة ( كعب من مالك ، مرارة بن الربيع ، هلال بن أمية ) وهم الذين اعترفوا بذنبهم وقصتهم معروفة ومشهورة .



و . طرق الوقاية من الحرب النفسية . كشفت غزوة تبوك طرق عدة للوقاية من الحرب النفسية نظرا لما كان يحيط بتلك الغزوة من ظروف ومناخ عام هيئ الفرصة لحرب نفسية شنها المنافقون للتخذيل وتثبيط الهمم والعزائم والقضاء على إرادة القتال ولكن مساعيهم باءت بالفشل نظرا لما يلى :



(1). العقيدة الراسخة .



(2). كشف محاولات التخذيل وتثبيط العزائم .



(4) .القضاء على أوكار الفتنة والحرب النفسية .



ز.وصول القوة الضاربة للجيش الإسلامي إلى المستوى العالمي .



عندمـا بـدأت الـدولة الإسلاميـة ببنـاء أولي لـها في المدينـة المنورة وفى أول غزوة وعملية عسكرية تقوم بها ( غزوة بدر ) كانت القوة الإسلامية تتكون من (305) مقاتل منها فرسان . أما في هذه الغزوة وبعد فترة تعتبر بكل المقاييس قصيرة كان قد وصل عدد الجيش الإسلامي إلى ثلاثون ألف مقاتل بينهم (10000 ) فارس . مما يعنى زيادة في العدد والنوع حيث أن نسبة الفرسان كانت اقل من 1% من عدد المقاتلين . أما في تبوك فكان الفرسان الثلث تقريبا عوضا عن ما يتمتع به هذا الجيش من كفاءة قتالية عالية وروح معنوية نابعة من قوة إيمان وعقيدة راسخة .







وقد ذكر اللواء محمد شيت خطاب في كتابه الرسول القائد بعض الدروس المستفادة من غزوة تبوك جاء منها مايلى :



(أ‌) .الحرب الجماعية . (هـ). المعنويات .



(ب) .عقاب المتخلفين . (و). المعلومات .



(ج) . التدريب العنيف .



(د). المسير الليلي .







الخلاصة



الفصل الأول . كان الوضع خلال فترة ما قبل الغزوة في الجزيرة العربية يشهد نشوء دولة إسلامية على نمط لم يكن معروفا في ذلك الوقت في الدول القائمة في الجزيرة العربية أو خارج الجزيرة العربية ولم تكن الأحوال على ما يرام وذلـك لعـدم الـرغبة في التغيـير عـلى مــا يوجد من عـادات وديانات ونـظم تـحدد عـلاقـة الجماعـــات مـــع بعضهــا أو الأفـراد بالجماعــات المختلفـة ولكن النـهج الذي اتبعـه الرسـول ( صلى الله عليه وسلم ) في بناء الفرد قبل الدولة كان له الأثر الكبير في تغيير كثير من الأمــور على الرغــم من المعارضـات الشديدة التي كانت تلقاها دعوته وقد كان فتح مكة المكرمة حدثا احدث دويا كبيرا داخل الجزيرة العربية بل تعداها إلى الدول المجاورة في الشام والعراق لهذا كان لابد مـن بـذل جهود من أي نـوع لمحاولـة احتواء هذا الخطر القادم لا محالة من الجزيرة العربية وكانت الشـام تخضـع لسلطـان الـدولة البيزنطيـة بمـا فيهـا مـن قـبائل عــربية تنـصرت و أصبحت تدين بالولاء لأسيادهم الروم الذين قاموا بحشد قواتهم لمهاجمة المسلمين في المدينة المنورة وعندما سمع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بأنباء الروم وما ينوون القيام به صرح لاول مرة للمسلمين بأنه سيقوم بغزو الروم في عـقر دارهـم وكانت هي المرة الأولى والأخيرة التي يعلن فيها نيته نظـرا لخطـورة المهمــة وصعــوبة الوقت وقلة الإمدادات وقد كانت التربية النبوية في صحبه وإيمانهم العميق بدين الله وثقتهم بنصر الله لدينه ونبيه هي الدافع الأول لهم عندما هبوا لتلبية نداء الواجب للتبرع لدعم المجهود العسكري بالمال والنفس .



الفصل الثاني . ظهر في غزوة تبوك وخلال استعداد المسلمين لتجهيز الجيش الإسلامي الأكبر حتى تلك الفترة حيث بلغ عـدده (30) ألف مقـاتل وفى وقـت صـعب زادت فيـها نفقـات الدولــة الإسلامية خاصة بعد فتح مكة . ظهر صدق الاعتقاد والرغبة في الذود عن الإسلام والجهاد بالمال والنفس مـن المسلمـين المخلصين الذين تسابقوا رجالا ونساء بما لديهم من مال وحلى . كما انه ظهر جليـا أيضـا مـا يقــوم بـه المنافقـون مـن أعمــال لـهـدم المجهود وبث الشائعات وتثبيط الهمم . وهى عادتهم في كل مناسبة يرون أنها مناسبة للكيد من الإسلام والمسلمين . وعلى الرغم من الحاجة التي كانت تعصف بالجيش الإسلامي إلا أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لم يرغب في أن يستعين بأي مدد أو قوات للمنافقين مما دعا زعيمهم إلى العودة باتباعه من الطريق حتى كان الاقتصاص منهم بعد عودة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) واتباعه من تبوك بعد مضى عشرون ليلة هناك عندما لم يجد الجيش الرومي أما هرقل فقد كان مزهوا بنصره على الفرس وكانت معنويات جيشه عالية وقد وهب جيشه الذي يبلغ (250) ألف مقاتل رواتبهم لمدة سنة كاملة . وهذا يدل على عدم تساوى الكفتين لا عددا ولا عتادا مع أن الجيش الإسلامي كان عليه التحـرك مسافـة (1000) كيـلو مـتر لملاقاة الجيش الرومي الذي كان مرتاح بانتظار القوات الأقل عددا وعده . لقد كانت جميع العوامل المادية لصالح القوات الرومانية لكن الإيمان الراسخ كان سـلاح من نـوع آخـر لا يتحلى بـه إلا المسلمـين الراغبين في رفعة الدين الإسلامي وكان لهم ما أرادوا .



الفصل الثالث . مدينة تبوك تقع في الجزء الشمال الغربي من الجزيرة العربية وهى مدينة كانت معروفة منذ زمن بعيد وهى الممر الغربي للتجارة التي كانـت قائمـة بين الشـام وعـدد كبير من القبـائل العربية مثل قضاعة وطى وعذرة وسليح والضجاعمة وغيرها كثير وكانت العلاقات بينها غير مستقرة ولا تحكمها ضوابط معينة حتى جاءت هذه الغزوة فزرعت الهيبة للدولة الإسلامية ووحدت الأمن في ربوع الجزيرة العربيـة سـواء خشية جـانب الدولة التي أصبحت تقـــارع أعتى الـــدول وفى عـقــر دارهــا أو عـن طـريق المعاهدات و إقامة التحالفات مع تلك القبائل .



الفصل الرابع . كان لغزوة تبوك نتائج كبيرة وفوائد عظيمة ولعل من أهمها ما يتعلق بالعقيدة ورسوخها وما اصبح للدولة الإسلامية مـن هيبـة لـدى الـدول الأخـرى . ولم يذكــر المؤرخـون متى تفرقت القوات البيزنطية أو كم كانت المسافة التي تفصلها عن المدينة المنورة حيث أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قال ( أعطيت خمسا لم يعطهـن أحـد من قبلي نصـرت بالرعـب مسيرة شـهر . . . ) وفى هـذا الحـديث السـر الحقيقـي الـذي يبـين السبب الرئيس لعـدم تقابـل الجيشان الـذي لـو تم حساب الخاسر والـرابح بـناء عـلى الأرقـام من عدد المقاتلين وعدتهم وخلافه من الأمـور المادية البحتــة لـما خـرج أحد لتفسير ما حدث في هذه الغزوة ، ولكن الله نصر عبده وايده وفرق أعداء الله فلم يبين لهم أثرا في مناطق تجمعهم حتى انه أمضى ( صـلى الله عليه وسلم ) وجيشـه عشرون لـيلة انتظـارا لقــوات العدو التي أصبحت أثرا بعد عين .







الاستنتاج



غزوة تبوك حافلة بالعبر والدروس سواء في جوانب العقيدة أو ما يتعلق بالإعداد والتجهيزات والتعامل مع المواقف المختلفة وقد خرج الباحث ببعض الاستنتاجات وهى على النحو التالي :



(1) . أهمية جمع المعلومات من العدو وعن صناع القرار فيه وقادته .



(2) . أهميـة الشئون الإدارية في كـل مراحل أي عمليـة عسكرية ويمكن ملاحظة كيف أن نقص الماء كاد أن يسبب للجيش الإسلامي مشكلة كبيرة أثناء تحركه لملاقاة العدو .



(3) .أهمية الحشد حيث كان كل طرف يقوم بحشد قواته والتجهيز للمعركة قبل النزول .



(4) . أهميـة المحافظة على الـروح المعنويـة وكان ذلك بمحاربة أعمال المنافقين من جانب المسلمين وتزويد الجيش براتب سنة كاملة من جانب الروم .



(4) . الانضباط في صفـوف الجيش مهـم في جميع مراحـل القتال المختلفة ومن ضمنها التحرك . وقد كان الجيش الإسلامي غاية في الانضباط أثنـاء تحركه في أوقـات مختلفة لمقابلة العدو .



ليست هناك تعليقات: