السبت، 21 مايو 2011

بن جديع في النورماندي للمرة الثانية





زرت الأسبوع الماضي موقع معركة النورماندي الشهيرة ، التي وقعت في شمال فرنسا في الحرب العالمية الثانية ، وكانت بداية تراجع وانكماش الجيش الألماني وخسارة الحرب في نهاية المطاف ...تبعد النورماندي عن باريس حوالي ساعتين والنصف بالقطار او بالسيارة ، وقد بدأنا الزيارة بالمتحف الذي جمع فيه الكثير من العتاد والمعدات التي شاركت في الحرب ، ويعد اكبر متحف في أوربا من حيث المساحة ...وقد افتتح المتحف في العام 1988م ، ويزوره 1.5 مليون نسمه سنويا ، وقد كتب على الجدار الخارجي للمتحف عبارة جميلة تقول "الألم حطمني والأخوة أقامتني ...من جرحي تدفق نهر من الحرية "...


معركة النورماندي ....واحدة من أهم معارك الحرب العالمية الثانية التي غيرت مجرى التأريخ ، حيث كانت أكبر عملية إنزالٍ برمائيةٍ على الإطلاق ، إنها أكبر هجومٍ برمائيٍ في التاريخ شاركت فيه وحداتٌ جويةٌ و بريةٌ مشتركة و قادها الجنرال الأميركي إيزنهاور ، وقد شارك في العملية قوات بريطانية على محورين ، وأخرى كندية على محور واحد ..وهي من تلقى ضربات ألمانية موجعة ، مع التاريخ لم ينصفهما بشكل مناسب ..

من اهم القادة الميدانيين الامريكي (عمر برادلي ) والبريطاني (مونتجمري) والبريطاني البحري الداهية رمزي...

كانت الخطةُ تقضي بإنزال نصف مليون رجلٍ على الشاطئ في فترةٍ قصيرة و على مساحةٍ صغيرةٍ نسبياً من الساحل ، كان الجنرال إيزنهاور يعلم أن الساعات القليلة الأولى للهجوم هي الأهم لأنه إذا لم يتم الإنزال بنجاح فقد تمر أشهر او أكثر قبل التمكن من شن هجوم آخر...

أربع سنواتٍ و الألمان يحصنون الساحل من جنوب فرنسا إلى هولندا ، تحصينات منيعة تحمي المدافع العملاقة .. هتلر سمي هذه التحصينات بالجدار الأطلسي ..

نزلنا في منطقة مشرفة اختارها الالمان للمراقبة لكامل الشاطئ ، وتم تحصين المنطقة بطريقة رائعة ، كما بني مضاجع للأفراد وفتحت خنادق للتنقل بين أطراف الموقع وتزويد المدافع بالذخائر اللازمة ..اما نقاط الحراسة فقد شيدت لتسمح بحركة الحراس وقوفا ومشاهدة أي تحركات في زاوية قدرها 180 درجة لكل موقع..وقد قامت قوه من الكوماندوز قوامها 250 ضابط وفرد من الحلفاء بأول محاولة للاستيلاء على موقع للمراقبة بعد دكها بالطيران لفترة طويلة ، ومع ذلك لم يصل الى اعلى نقطة المراقبة الا 90 فردا تمكنوا بعد التحام جسدي عنيف مع الالمان من الاستيلاء على الموقع .وقد




الشاطئ من نقطة المراقبة



مضاجع سكن الأفراد





موقع لتحصين مدفع بالكاميرا الخاصة



قتل في ليلة الإنزال أكثر من 2500 جندي أمريكي ، وأكثر من 3000 جندي من الدول الحليفة ، كما قتل من الألمان أكثر من 4000 جندي ..


ثم زرنا منطقة الإنزال الرئيسة التي بني فيها ميناء صناعي بعد عملية الإنزال الأولى ، حيث تم سحب جسور خرسانية من بريطانيا ، وبني الميناء في غضون 10 ايام بعد ان تيقن الحلفاء من صعوبة الاستيلاء على أي ميناء يحتله الألمان لجودة الدفاعات حولها ، لذا تم سحب صبات خرسانية هائلة من بريطانيا الى المكان المختار لبناء الميناء ، استطاعت 115 كتلة خرسانية من إنشاء جدار صلب لحماية الميناء الذي كانت قدرته الاستيعابية تزيد قليلا عن 18.000 طن من المواد التموينية يوميا، حقيقة لو تم بناء ذلك الميناء في عصرنا الحالي لكان معجزة كبيره ، لكن بناؤه قبل 65 سنه يعد ضربا من الخيال الذي لا يصدق ...

انتقلنا بعدها الى مقبرة النورماندي الوقعة في شاطئ اوماها ، وتحتل مساحة 172 هكتار ، وتم دفن 9387 من الجنود الأمريكيين فيها ، منهم 307 شخص لا تعرف أسمائهم ، وقد كتب على قبر كل منهم العبارة التالية"هنا ترقد جثة جندي معروف عند الله"...

مقبرة النورماندي


لفت الانتباه قبر العميد تيودور روزفلت الصغير..ابن الرئيس السابق روزفلت الذي لعب ادوار كبيره قبل وإثناء وبعد الحرب العالمية الثانية ، وقد توفي ذلك العميد بأزمة قلبية أثناء عملية الإنزال في النورماندي ، ولأنه نال وسام الشرف بمشاركته في الحربين العالميتين فقد دفن بجانب اخية الذي سبق ان قتل في الحرب العالمية الأولى ...


الخلاصة ....

• أوروبا عانت كثيرا من الحروب ، وقتل الملايين ، ومسحت مدن وقرى ومنشئات من على الأرض ..ولم يمنع ذلك من النهوض مجددا ، والاتحاد الأوربي بعد كل ذلك الدمار يعد معجزة كبيره ...

• القدرات الهائلة لألمانيا والدول الحليفة كانت واضحة للعيان ، فمثلا قام الألمان بإنتاج 47000 ألف دبابة ، و 58000 ألف طائرة قبل وأثناء الحرب ..وكان الميناء الصناعي الذي بني في النورماندي يستقبل 745 ناقله من العتاد والإمدادات يوميا ...

• الاهتمام الكبير من الأمريكيين والغربيين عموما بجنودهم أحياء وأموات ...وقد شاهدت الورود الندية التي يضعها الأحفاد وأبناء الأحفاد على أضرحة أجدادهم الذين يعرفون تماما أين ترقد جثثهم ، فأسمائهم وتواريخ موتهم مدونه على قبورهم ...من يعرف منا مكان دفن أبوه او قريب له ؟؟



محمد بن يحي الجديعي

الرياض 21 مايو 2011م




ليست هناك تعليقات: