الجمعة، 8 يناير 2010

غزوة بني قريضة


غزوة بني قريضة





1. عـــام . بني قريضة قبيلة يهودية نزلت بالمدينة المنورة بعد أن هلكت أموالهم وخربة بلادهم من جراء ما حل بهم عندما عاقبهم الله سبحانه وتعالى بفيضانات سيل العرم . الذي اجتاح المناطق التي كانوا يقطنونها . وكانت هذه القبيلة ضمن ثلاث قبائل يهودية نزلت بالمدينة وتحالفت مع الأوس والخزرج والقبائل التي كانت موجودة في يثرب في ذلك الوقت .







2. مقتطفات من سياسة الرسول( صلى الله علية وسلم ) الخارجية . بعد أن هاجر الرسول ( صلى الله علية وسلم ) من الى المدينة المنورة موطنه الجديد بدأ في إرساء دعائم النظام السياسي للدولة الجديدة . والبحث عن وحدة سياسية ونظامية متكاملة ، على نمط لم يكن معروفا في ذلك الوقت في البلاد المجاورة له .وكان من ضمن الأمور التي انصرف للتفكير فيها ما يلي :



أ. توحيد صفوف المسلمين . كان تأكيد وحدة المسلمين والقضاء على كل شبهة يمكن ان تثير الفتنة والعداوة بين الفئات الإسلامية المختلفة . التي كان بعضها أعداء الداء قيل وصول الرسول الى المدينة حيث كان تاريخ تلك القبائل حافلا بالمطاحنات والمخاصمات . لذا فقد دعا الى التآخي بين المسلمين وبالأخص بين المهاجرين والأنصار ، وقد تحقق بذلك الإخاء والوحدة بين المسلمين فرسخت أواصر المحبة والثقة . وقد وقفت في وجه المحاولات الحثيثة من المنافقين للوقيعة بين الأوس والخزرج وبين المهاجرين والأنصار . كل ذلك كان بفضل السياسة الحكيمة وبعد النظر من قبل الرسول (صلى الله علية وسلم ).



ب. القيام بتحالفات سياسية . ان العلاقات المتوترة والمضطربة التي صاحبت قيام الدولة الاسلامية في عهدها الاول والتي حالت دون تطوير نظام دولة اتحادي ( فيدرالي ) تساهم في توفير الحرية الدينية والحكم الذاتي والتحالف العسكري المشترك ضد قريش العدو اللدود لتلك الدولة وكذلك اكتساب مجال أوسع لحقوق الإنسان ومشاركة فعالة للاقليات غير الإسلامية ، كلها وغيره كثير هي التي صاغت نهجا وأساسا لعلاقات المسلمين بغيرهم من التجمعات التي كانت متواجدة بيثرب . وقد كان من ضمن تلك التحالفات تم عقد معاهدة صداقة وتحالف وتقرير لحرية الاعتقاد مع اليهود وقد اعتبرت تلك (المعاهدة من الوثائق السياسية الجديرة بالإعجاب والاحترام على مر التاريخ ).( محمد حسين هيكل : حياة محمد ( ) ، ص 149 )



ج. الالتزام الأدبي والأخلاقي . كان الرسول (صلى الله عليه وسلم ) حازما في دعم الاتجاه حول العيش الآمن مع الاقليات غير المسلمة المتواجدة . حيث كانت علاقاته الخارجية المبنية على الفضائل الخلقية والالتزام تتم على الرغم من الانتصارات والنجاح في المجالين السياسي والعسكري التي كانت تتحقق على أعداءه .وقد كانت ذا تأثير كبير عليهم وضغوط نفسية عميقة كان بالإمكان استغلالها ولكن التخطيط السديد والتنفيذ الناجح للسياسات الخارجية كانت ولا زالت مطالب ضرورية لعلاج المجتمعات الموجهة أيديولوجيا . وقد أبدى الرسول تفوقا عظيما في هذا الاتجاه ونجحت سياساته الخارجية نتيجة لذلك الالتزام الأدبي والأخلاقي .



د. الدهـاء والحنكة السياسية . كان تسيير السياسة الخـارجية للدولة الإسلامية بقيادة الرسول (صلى الله عليه وسلم ) تتميز بحنكة ودهـاء لا مثيل له وتظـهر من خـلال التفحص العميق للأهمية السياسية والمغازي الاستراتيجية لتحركـاته التي بدأت دفـاعية عندما كانت القوة لا تسمـح بالهجوم وكذلك توجيه البعثات للقضاء على السياسات المعادية والحرب الاقتصـادية والقيام بغـارات وحصار وإجراءات تأديبية مختلفة حسب المواقف السياسية المختلفة مما يعني وجـود استراتيجية مخططة للرد تبعا للموقف بناءا على نهج سديد وقيادة مظفرة .







3. علاقة اليهود بالدولة الإسلامية الأولى في يثرب . كانت المدينة المنورة في تلك الفترة موطن لثلاث ديانات مختلفة وهي المسيحية واليهودية والدين الإسلامي الجديد وكانت الديانة اليهودية ترى في الإسلام دينا قريبا لدينهم من المسيحية حيث كان يدعو الى التوحيد كما انه يوجد تشابه في كثير من المبادئ لكل من الديانتين أما المسيحية فقد كان من أهم واكبر الاختلافات بينهم وبين اليهود هو الدعوة الى التثليث . وعلى الرغم من المعرفة التامة لليهود بأوصاف وعلامات النبي الذي أرسل وبالأخص عند أحبارهم . وما تم من معاهدات ومواثيق إلا أن اليهود قاموا بكثير من الأعمال ضد المسلمين ومنها ما يلي :



     أ. اللجوء للدسائس وإثارة البغضاء بين المسلمين . وذلك بإيقاظ الأحقاد الدفينة الماضية ورواية ما قيل في بعض الأحداث كيوم بعاث من أشعار وأخبار . وذلك عندما رأوا ان الدولة الإسلامية تستقر واللواء الإسلامي يعلو ويرتفع .



     ب.محاولة زعزعة عقيدة المسلمين . عندما لاحظ اليهود الاقبال الكبير على الاسلام وازدياد شوكة المسلمين قوة في المدينة وتأثير تعاليم الرسول ( صلى الله علية وسلم ) في النفوس . واســلام عبد الله بن سلام وقد كان أحد أحبارهم وعلمائهم فقرروا زرع عدد أحبارهم بين المسلمين وذلك بإظهار الإسلام والتقوى مما يتيح لهم إلقاء الأسئلة المباشرة على الرسول .وقد كانت تلك الأسئلة تثير الشك والريبة بين صفوف المسلمين وبالأخص حديثي العهد بالإسلام . وقد فطن المسلمين لذلك وعرفوا الغايات والنوايا وما ترمي له تلك الأسئلة فلم تنجح تلك المحاولات .



      ج. عدم الالتزام بالمعاهدات . لقد كان مسلسل نقض التعهدات والنكث بالمواعيد في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم ) من قبل اليهود حافلا وقد بدأته قبيلة بني النظير التي أجليت من المدينة بعد قتال دام عشرين ليلة على الرغم من تحريض ابن أبي لهم . ثم السبب في هذه الغزوة التي نقض بني قريضه العهد مع المسلمين قبلها وتحزبهم مع القبائل الأخرى التي حاولت اقتلاع الإسلام من المدينة حيث تم غزوهم بعد فشل حصار المسلمين في المدينة .



      د. القيام بتأليب القبائل . كانت فكرة تأليب العرب ضد الدولة الإسلامية من صنع وتنفيذ اليهود وخاصة أكابر بني النضير الذين طردوا من المدينة ومنهم ( حيي بن أخطب ) . وقد قاموا بجولات كبيرة لتوحيد الجهود بين عدة قبائل ومنها [ قريش ، غطفان ، بني مره ، بني فزاره ، أشجع ، بني سعد ، أسد ، وغيرها من القبائل ] وهي قبائل كان لها ثأر عند المسلمين وكونت قوات الأحزاب التي ضربت حصار على المدينة التي هب المسلمين للدفاع عنها وتم حفر الخندق حولها للمساعدة في الدفاع .







4. الوضع العام قبل الغزوة . نجح حيي بن أخطب في مساعيه وجمع العرب ( الأحزاب ) حول المدينة وكان يرى ان نجاحه في إقناع بني قريضه لنقض عهدهم مع الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) سيحقق بعض الأهداف المهمة ومنها :



     أ. قطع المدد وخطوط المواصلات على الجيش الإسلامي .



     ب. فتح الطريق لفتح المدينة بفتح جبهة جديدة على المسلمين .



     ج. زيادة الضغوط النفسية والمعنوية بين صفوف المسلمين وتشتيت جهودهم .



     د. زيادة التماسك بين القوات التي تحاصر المدينة وزيادة الدعم المادي والمعنوي لها .



وبالفعل فقد تحقق (لحيي ) ما أراد وقويت الحالة المعنوية للأحزاب . وعندما علم الرسول بما أقدمت عليه بني قريضه من خيانة وغدر أراد أن يتأكد وأرسل مندوبين من عنده لهذا الغرض وكانا ( سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ) وطلب منهم عدم تسريب الخبر اذا تأكد الى بقية قواته وذلك للمحافظة على الحالة المعنوية وقد قام الرسول بدراسة قوات العدو دراسة وافية وقام باستغلال نقاط الضعف لديهم احسن استغلال ومنها ما يلي :



      أ. بعث الى غطفان للتخلي عن تحزبها مع بقية القوات عندما رأى أنها بدأت تمل الحصار وإحساسهم أن لا فائدة من تلك المعاناة التي يلقونها وفي فصل الشتاء الا تلبية رغبة حيي بن أخطب .



     ب. قام نعيم بن مسعود الذي اسلم حديثا وبأمر من الرسول باستغلال علاقاته السابقة مع قريضه وزرع عدم الثقة بينهم وبين قريش وغطفان.



5. سيـــر غزوة بني قريضـــة . كان نكث بني قريضه للعهد هو السبب الرئيسي للغزوة وبناءا عليه فقد تطلب محاسبتهم لغدرهم وعدم مراعاتهم لحق الجار .



      أ. الموقف العام . بعد ثبات المسلمين أمام الأحزاب في ظروف قاسية وأمام قوات تفوقهم عددا وعدة . ارتفعت معنوياتهم عاليا بعد مغادرة القوات المعادية تجر أذيال الفشل ، ولم يبقى سوى بني قريضة الذين لم يحافظوا على المواثيق والمعاهدات وخانوا علاقاتهم بجيرانهم وفي وقت يعد من اخطر الأوقــات و أصعبها . اذا لقد حان الوقت لتصفية الحساب معهم .



     ب. قــوات الطرفيـــن .



        (1) كانت قوات المسلمين ثلاثة آلاف مقاتل معهم (36) فارسا بقيادة الرسول (صلى الله عليه وسلم ).



        (2) قوات بني قريضة تراوحت بين (600-700) مقاتل بقيادة كعب بن أسد وحيي بن أخطب الذي تحصن معهم بعد فشل الأحزاب.



    ج. تحـرك المسلميـــن . كان الهدف الأول للمسلمين هو القضاء على بني قريضة التي حاولت اجتثاث المسلمين وإبادتهم .



وقد امر الرسول جيشه بالإسراع والأطباق على حصون بني قريضه وذلك بان أمرهم ظهرا بان لا يصلي المسلمون العصر الا في بني قريضة . وعلى الرغم من شدة التعب والإرهاق الذي أصاب المسلمين نتيجة للحصار الذي استمر مدة طويلة وبرودة الطقس الشديدة الا انهم أسرعوا لتنفيذ الأمر. وقد اكتمل تجمع المسلمين حول حصون بني قريضة قبل حلول ظلام ذلك اليوم .



    د.مدة العملية . العملية كانت عبارة عن حصار لحصون اليهود مع بعض المناوشات البسيطة مثل الرمي بالنبال والحجارة .ولم يجرؤ اليهود على الخروج من حصونهم طيلة العملية التي ((استمرت خمسا وعشرين ليلة)).( اللواء الركن / محمد شيت خطاب : الرسول القائد ( - ، دار الفكر ، الطبعة الخامسة ، 1394هـ ) ،ص 245 )



    هـ.ضغط الحصار على اليهود.كان لحصار اليهود في حصونهم ضغط شديد عليهم وكان من نتائج هذا الضغط عدم قدرتهم على اتخاذ قرارات سليمة ولم يستقر رأيهم على شيء من شدة الخوف وقد طلب اليهود التشاور مع الصحابي أبو لبابة وهو من الاوس وقد كان حليفا لهم في الجاهلية فلما رأوه مقبلا عليهم ( قام اليه الرجال وأجهش النسوة والصبيان بالبكاء حتى رق لهم )( محمد حسين هيكل : (مصدر سابق ) ، ص216 )



( وقد طلب منهم قائدهم ان يعتنقوا الاسلام فرفضوا . ثم طلب منهم القتال فرفضوا .وبقو في حصونهم لا يفعلون شيئا )( اللواء الركن محمد شيت خطاب : (مصدر سابق ) ، ص245 )



ثم ارسل اليهود الى الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يعرضون عليه الخروج الى "أذرعات" وهي بلد في أطراف الشام (وقيل انها في سوريا الان) تاركين وراءهم ما يملكون . فأبى الرسول الا الاستسلام دون قيد او شرط .



كل تلك المحاولات للخروج من امأزق الذي كانوا فيه يدل على ما كانوا يعانونه من ضغط وتخبط .



وأخيرا طلبوا الاستسلام على ان يحكم فيهم (سعد بن معاذ) .فرضي الرسول بنزولهم على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه .



     و. تحكيم سعد بن معاذ . عندما وصل اليهود الى طريق مسدود وحتى يتمكنوا من الخروج من هذا المأزق الذي وضعهم فيه ( حيي بن أخطب ) الذي كان معهم في حصونهم طلبوا الاستسلام وان يحكم فيهم سعد بن معاذ وقد اختاروه لعدة أسباب ومنها :



       (1) كان سعد بن معاذ( رضي الله عنه ) سيد قومه الأوس وقد كانوا حلفاءهم في الجاهلية.



       (2) كان الامل في قبول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لتحكيم سعد كبيرا ويقبل حلفاء الاوس كما قبل في حلفاء بني الخزرج من قبل ( بني قينقاع ).



وبعد ان رضي الرسول بتحكيم سعد قبل ان يحكم بين المسلمين من جهة واليهود من جهة اخرى . بعد ان أخذ المواثيق على الطرفين بان يرضوا بقضائه . فلما أعطوه مواثيقهم أمر بني قريضة بان ينزلوا من حصونهم ويضعوا أسلحتهم .ففعلوا . وقد كان حكمه غير متوقعا من جانب اليهود اذ كان حكمه كالتالي ( ان يقتل المقاتلون اليهود جميعهم وتقسم الاموال وتسبى الذراري والنساء ) (اللواء الركن / محمد شيت خطاب : (مصدر سابق ) ، ص246 )



    ز. خسائر الطــرفين .



       (1) استشهد من المسلمين شخص واحد وهو ( خلاد بن سويد بن ثعلبه بن عمرو الخزرجي وذلك بأن طرحت عليه امرأة يهوديه رحا فشدخته شدخا شديدا ) (ابن كثير : البداية والنهايه ( الجزء الرابع ، مكتبة المعارف، بيروت ،1990م) ، ص 126 )



      (2) تم قتل جميع اليهود بما فيهم (حيي بن أخطب ) وقد كانوا بين ( 600-700 ) فردا اما ابن كثير فانه يقول أنهم (400) فرد ولم ينجوا منهم الا الأسماء التاليه نظرا لأنهم أسلموا وهم:



         (أ) ثعلبه بن سعيد .



         (ب) أسيد بن سعيه .



         (ج) أسد بن عبيد .



وأضاف ابن كثير رفاعة بن شموال أطلقه الرسول لسلمى بنت قيس أم المنذر التي استطلقته .



     (3) لم يقتل من النساء الا المرأة التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد فكان جزاءا لها .



     (4) تم تقسيم جميع أموال بني قريضة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين بعد إخراج الخمس.



     (5) توفي من المسلمين دون قتال ( أبو سنان بن محصن بن حرثان من بني أسد ) وقد دفن في أرض المعركة .





محمد بن يحي الجديعي





ليست هناك تعليقات: