الجمعة، 19 فبراير 2010

مدينه طليطلة





1. مقدمة :

سميت هذه المدينة في تاريخنا الإسلامي طليطلة ، اما اسمها بالاسبانية فهو (Toledo)، وهي تبعد عن العاصمه الاسبانية مدريد بحوالي 70 كم إلى الجنوب الغربي ، وقد دخلها طارق بن زياد في العام (712م) او في العام (93) هجري ، حيث كانت هي عاصمة ((الغوط)) الذين كانوا يحكمون شبة الجزيرة الأيبيرية .... وقد بقيت تحت السيطرة الإسلامية إلى أن دخلها الملك الاسباني ((الفونسو السادس)) ملك قشطالة في العام 1084م (478هـ) بعد أن استعان به الأمير السابق لطليطلة القادر بالله يحيى بن ذي النون.

2.موقع المدينة :





تقع طليطلة على مرتفع يحيط بها من ثلاث جهات نهر عميق يسمى نهر (تاخو) ، وقد شكل ذلك النهر عائقا طبيعيا ضد أي قوى ترغب في مهاجمة المدينة وذلك لصعوبة عبوره  ، وهو السبب في تسمية تلك المدينة [ Toledo ] التي تعني ( المدينة المحصنة) ، وقد لاحظت أثناء زيارتي هذه المدينة سهولة الدفاع عنها ، حيث أن وجود أبراج مراقبة وحراسات بسيطة تكشف بسهولة أي تحركات حول المدينة من جوانبها الشرقية والغربية والجنوبية ، كما انه بني سور بارتفاع كبير على الجهة الشمالية للمدينة (المدخل الرئيس) وزود ذلك السور بأبراج مراقبة ونقاط للقنص ، وله بوابتان كبيرتان موجودتان حتى وقتنا الحالي . في العهد الإسلامي لم يكن يسكن خارج السور سوى عمال السقاية وبعض الخدم.


لذا فانه يصعب اقتحام المدينه عسكريا حتى ان الفونسو السادس حاصرها لمدة ( 7 ) سنوات الى ان سقطت ، اما طارق بن زياد فقد وجد هذه المدينة شبه فارغه بعد أن فر أهلها منها بمجرد سماعهم بالانتصارات الإسلامية المتلاحقة منذ معركة ( لكه ) التي دارت رحاها بين الجيش الإسلامي بقيادة طارق بن زياد و{غيطشه} ملك الغوط التي كانت طليطلة عاصمة ملكه ، اما الفونسو السادس ملك قشتالة فقد أعانه على دخولها القادر بالله يحيى حاكمها الذي ثار عليه أهل طليطلة لقتله شيخها ابن الحديدي وطردوه منها ، فما كان منه الا اللجوء الى ملك قشطالة لاستعادتها الى ملكه ، ساهم في ذلك عدم اكتراث بقية الامارات الإسلامية المجاورة لها بما يدور في هذه المدينه وأهمها اشبيلية , لكن الفونسو بعد دخوله المدينة لم يسلمها للقادر بالله حيث قايضه بأن يسلمه (بلنسية) بدلا عنها..

عندما دخل الملك الفونس السادس الى طليطلة سنة 1084م طرد كل العرب وكذلك اليهود والذين اعتبروا طليطلة هي اورشليم الثانية ، واستولى المسيحين على المدينة، وبقيت عاصمة اسبانيا الى ان نقل الملك فيليب الثاني (ملك اسبانيا) البلاط الملكي من طليطلة الى مدريد سنة 1561م ، وقد تم بناء جسر على نهر تاخو واسمه "سان مارتين"  سنة 1203م ، وفي نفس العام حدث فيضان أدى الى انهيار الجسر ، وفي القرن الرابع عشر اُعيد بناءه مرة اخرى ، اما الجسر الثاني فما زال مُحتفظا بإسمه العربي (القنطرة) وعلى طرفيه برجين كبيرين ، في اعلى البرج يرتفع تمثال مريم العذراء، وفي البرج الثاني تمثال للملك الفونسو السابع.

يوجد باب رئيسي يدخل الى المدينة وهو باب عربي قديم يسمى "باب السهل" واليوم يسمى بورتا دي بساغرا ، ويعتبر ملتقى الطرق المؤدية الى أنحاء المدينة كما يعتبر من الأبواب الأندلسية القديمة .

 
باب السهل




لقد كان سقوط طليطلة في يد الفونسو السادس نذير شؤم للمسلمين وإشارة واضحة الى نجاح الزحف الاسباني على الجزيرة الايبيرية ، ويتضح ذلك من القصيدة الطويلة للشاعر عبد الله بن فرج اليحصبي الذي قال فيها :





يا أهل الأندلس حثوا مطيتكم

فما المقام بها الا من الغلط
الثوب ينسيل من أطرافه وارى

ثوب الجزيرة منسولا من الوسط

ونحن بين عدو لا يفارقنا

كيف الحياة مع الحيات في سفط ؟


وقد كان سقوط طليطلة أيضا مرحلة من المراحل التي وضعها الفونسو السادس لاحتلال اشبيلية (عاصمة المعتمد بن عباد) التي كانت تدفع له الإتاوات والجزية سنويا مع بعض دول المرابطين ، وكانت تلك الجزية وتراكم الإهانات لابن عباد من الفونسو السادس (ومنها طلبه بان تلد زوجته داخل المسجد الكبير بناءً على نصيحة القساوسة) من أهم أسباب استعانة المعتمد بن عباد بيوسف بن تاشفين حاكم المغرب ، الذي عبر إلى الأندلس وخاض المعركة المعروفة ((الزلاقة)) ضد الفونسو (ولدي بحث عن هذه المعركه لعلي اعرضه لكم في وقت لاحق) ، المهم ان يوسف بن تاشفين حقق في تلك المعركة نصرا ذاع صيته ، ولكن في نهاية المطاف هاجم يوسف بن تاشفين نفسه اشبيلية وألقي القبض على المعتمد ابن عباد ، وسجنه في أغمات وأهانه بطريقة غريبة جدا..وبصرف النظر عن الأسباب التي دفعت يوسف بن تاشفين إلى ذلك ..
 إلا أن بن جديع لاحظ ان في العرف الاستراتيجي" التحالفات مع قوى أخرى يعد مشكلة بحد ذاتها ، وحساباتها صعبة ومعقدة جدا ، لأن الصداقات قد تتبدل من اجل مصالح أخرى قد تظهر في وقت آخر ، وبالتالي يصبح الحليف عدوا لدودا عارفا بكل نقاط الضعف التي سيسخرها لصالحه".


3. واقع طليطلة حاليا :

ثقافيا ... أعلنت طليطلة كموقع للتراث العالمي من قبل اليونسكو في 1986م ، وذلك للتراث الثقافي الضخم الذي تحتويه هذه المدينة ، وبوصفها واحدة من العواصم السابقة للإمبراطورية الاسبانية ، ومكان لتعايش الثقافات المسيحية واليهودية والإسلامية ، ويبلغ عدد سكانها (77,601) نسمة حسب إحصائية عام 2006 م ، وتحتل مساحة (232.1) كم مربع .

سياسيا....استمرت طليطلة عاصمة لاسبانيا الى ان نقل الملك فيليب الثاني (ملك اسبانيا) البلاط الملكي من طليطلة الى مدريد سنة 1561م .

دينيا.... يزور المدينة يوميا الآلاف من السياح الأوربيين لما لها من تاريخ سياسي عريق ارتبط بقوه بالعامل الديني الكاثوليكي ، كما ان كنيسة القصر التي يمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة تحضى بقدر كبير من الزوار ، وهي التي أعيد بنائها في القرن الثالث عشر بعد دخول الفونسو السادس للمدينة ، حيث تم إعادة بناء تلك الكنيسة بعد ان حولت الى مسجدا في وقت سابق.

4. فوائد عسكريه و إستراتيجيه :

أ . موقع المدينة المميز جدا يعطي ميزه كبيرة لمن يسيطر عليها على ا ي قوات ترغب في مهاجمتها ، وبإمكان المدافعين عن المدينة اختيار وتحديد مناطق قتل للعدو مثالية.

ب. خطورة التحالفات السياسية مع أطراف وقوى أخرى ، حيث أن دخول الفونسو السادس للمدينة كان بتحالف حاكمها السابق (القادر بالله يحي) الذي أعطي بلنسية بدلا عنها ، وذلك لمزايا موقعها الاستراتيجي (هي تقع في وسط شبه الجزيرة الأيبيرية) ومنعتها وحصانتها الطبيعة القوية ، كما أن يوسف بن تاشفين انقلب على من طلب نجدته حيث حاصر اشبيلية طويلا حتى تمكن من دخولها و سجن حاكمها ابن عباد إلى أن مات ، وهو من دعاه إلى نجدته ضد الفونسو السادس.

ج. أهمية الزيارات الميدانية للقادة العسكريين لبعض الأماكن الهامة ، مع ضرورة وضع اقتراحات وتحديد مهام لكل قائد، بحيث يخرج في نهاية الزيارة برؤية عسكرية للمواقع والأحداث والمعارك التي درات رحاها فيها ، للاستفادة منها في حياته العملية { والتاريخ يعيد نفسه....كما يقال } ، وعدم اخذ مثل تلك الزيارات على أنها للترفية والاستجمام فقط.


5. الخاتمة :

المواقع الأثرية الإسلامية في اسبانيا كثيرة ومتعددة ، ومن زار قرطبة (ومدينة الزهراء الأثرية وهي مجاورة لقرطبة ) واشبيلية وسرقسطة وملقا وقادس وغرناطة وغيرها ، سيشاهد كيف أن الآثار الإسلامية تجلب ملايين السياح من كل أصقاع الأرض الذين يدفعون المليارات للخزينة الاسبانية ، ولي على ذلك ملاحظات بسبب زيارتي لكل تلك الاماكن ومنها :

أ . قله السياح العرب والمسلمين الذين يزورون تلك المعالم والآثار التي بناها إسلافهم ، بل أن تواجدهم في تلك الأماكن شبه معدوم ، وذلك على الرغم من تواجدهم بكثرة باسبانيا خاصة بالصيف.

ب. إبقاء تلك الآثار الهامة على ما هي عليه عدى من بعض الترميمات ، او وضع بعض الإشارات المسيحية على بعض المعالم والمساجد. فمثلا وضع ناقوساً كبيرا على مسجد (الباب المردوم) الموجود في طليطلة والذي بني عام390هـ وذلك بعد 20 سنة من دخول الفونسو السادس لها . كما انه بني كنيسة كبيره داخل المسجد الكبير في قرطبة ، حيث يحيط بها المسجد حاليا من كل الجهات ، علما بأنه ذكر أن قرطبة كان بها أكثر من (1600) مسجدا ، وقد هدمت جميعها الا القليل منها ، اما ثلاثة منها فقد أقيم مكانها كنائس وحولت مآذنها الى أبراج لكنائس (سان خوان, وسانتا كلارا, وسانتياجوا) ، كما هدم مسجد كبير في ملقا بني مكانه كنيسة كبيره .

ج . ضرورة ان يتقمص القادة ادوار القادة والشخصيات التي كان لقراراتهم دور حاسم في أحداث المعارك التي تتم زيارة مواقعها ، والقيام بكل الأعمال السابقة (مثل الاستطلاع وإجراء التحالفات والأعمال الإدارية الأخرى ) ، واللاحقة مثل إعادة التنظيم واختيار مواقع جديدة وخلافه ، مع ضرورة الاستعانة بالمختصين في التاريخ والجغرافيا وغيرهم .

محمد بن يحي الجديعي

الرياض 12 جمادى الأولى 1429هـ

ليست هناك تعليقات: