السبت، 5 سبتمبر 2009

اليوم الوطني



The national day





في الثالث والعشرين من سبتمبر كل عام ، تحل ذكرى اليوم الوطني العزيزة علينا جميعا في وقت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط ملتهبة ، حيث تلوح في الأفق نذر الحرب ضد إيران بسبب برنامجها النووي ،وتقوم بجهود كبيره لتصدير مشاكلها الى دول الجوار وبالاخص بعد ازمة الانتخابات وتنصيب نجاد رئيسا بعد عمليات تزوير كبيره ، وفي العراق الحالة الأمنية غير مستقرة على الرغم من التحسن الكبير ، وفي لبنان وسوريا تجري حوارات متعددة منها الناعم ومنها الخشن ، وإسرائيل تتربص بالجميع دون تفريق وتزيد ضغوطها السياسية والعسكرية على الفلسطيني الذين فرقتهم السياسة ومزقتهم الديمقراطية ، أما في السودان فمشكلة دارفور تصعب موقف الحكومة يوما وراء الآخر، والحالة مع الجنوب ومع الدول المجاورة ليست على ما يرام ، في الصومال والقرن الإفريقي نيران تحت الرماد ، في اليمن لا تزال مشكلة الحوتيين قائمة بدعم ايراني كبير التي حركتهم في الوقت الذي يخدمها ويلهي الاعلام عن متابعة ما يدور فيها ، وإذا توسعنا قليلا في منطقة الشرق الأوسط فالأوضاع الباكستانية غير مستقرة في وادي سوات ومع طالبان الباكستان ، مع جمود الوضع في كشمير ، والمشكلة الأفغانية لا أمل قريب في الوصول إلى طاولة المفاوضة لإيجاد حلول سياسية للوضع الداخلي هناك ، أما تركيا فلديها مشاكل متعددة بدءً من الأكراد مروراً بما يدور داخل الحكومة من مماحكات سياسية ، وأخيرا رغبتها الجادة للانضمام الى الاتحاد الأوربي.

هذه الأجواء هي مشابهه لما كان الوضع عليه في منطقة الشرق الأوسط ، قبل أن يبدأ الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (رحمه الله ) مسيرة استعادة الملك ثم البناء لهذه الدولة المباركة ، حيث كانت الامبراطوريه العثمانية تحضي بنفوذ ما داخل الجزيرة العربية ، وبتواجد قوي على طول ساحل البحر الأحمر وفي الإحساء وبعض المناطق في شرق البلاد .
كما ان بريطانيا العظمى كانت لا تزال البلاد التي لا تغيب عنها الشمس ، ويقع تحت حكمها مناطق شاسعة من العالم أهمها شبه القارة الهندية ، وكانت رحلة اللورد كيرزون الى الخليج عام 1902م مجرد تأكيد للقوى الكبرى حينها بمدى اهتمامها وحرصها على بسط نفوذها في المنطقة ، مع وجود قوى كبيره مثل الإمبراطورية الروسية ، وألمانيا القوية التي تحالفت مع الإمبراطورية النمساوية - المجرية في وقت لاحق ، مع التواجد المكثف للفرنسيين في بعض مناطق العالم .






مناطق تواجد الدولة العثمانية


كما ان الوضع الأمني الداخلي كان متدهورا بدرجة كبيرة ، حيث النهب والسلب والاختطاف وانتهاك الحرمات ، وكانت بعض الدول والإمارات على طول ساحل الخليج تحت حماية الإمبراطورية البريطانية ( الإمارات, قطر،البحرين,الكويت) [1]، وبدت ترتيبات ما قبل الحرب العالمية الأولى والتحالفات المختلفة مستمرة ، وكان من أهمها تحالف الإمبراطورية العثمانية مع الألمان .
مع ذلك فإن النظرة الإستراتيجية بعيدة المدى لدى الملك عبد العزيز كانت هي العامل الحاسمة في أن يتخذ "رحمه الله" القرار بعقد تحالف مع البريطانية من خلال مندوبها الدائم في الكويت وذلك في العام (1913م)
[2]. والتحالفات من أهم المقومات اللازمة للحفاظ على الأمن الوطني للدول ، ودرء كثير من المخاطر ، ولكن اختيار الحليف المناسب هي عملية صعبه ومعقدة ، والدليل ما حدث للدولة العثمانية عندما تحالفت مع الألمان ، حيث سعت ألمانيا من خلالها تحالفها ذلك إلى التخفيف من الضغط على قواتها في شرق أوربا وبالذات ضد روسيا وما تلي ذلك التحالف من سقوط مدوٍ للإمبراطورية العثمانية.
الحرب العالمية الأولى بدأت قبل أن يرسي المؤسس (رحمه الله) دعائم الحكم على كامل الجزيرة العربية ، كما أنها انتهت ولا يزال يسعى جاهدا إلى تحقيق أهدافه
[3]، سواء في الداخل حيث كانت الأحداث الأمنية غير مستقرة بعد ، كما أن تشكيل الدول في المنطقة يتم على قدم وساق ، بعد أن حلت بريطانيا وفرنسا مكان الدولة العثمانية ، وبدء توقيع اتفاقية (سايكس- بيكو) السرية [4]، التي تم الاتفاق عليها في قصر "فرساي" بفرنسا عام 1916م ، ومع ذلك فإنه استطاع "رحمه الله" أن يوجد التوازن بين ضرورة إرساء الأمن داخليا ، وتوضيح المعالم الرئيسية للدولة أمام العالم الخارجي ، مع إن أول دولة عظمى تعترف بالكيان الجديد كانت روسيا في العام 1926م.

كان يواجه الملك عبد العزيز "رحمه الله" مشكلة أخرى تتعلق "بالإنسان" ذلك العنصر الهام الذي يحتاج إلى أن يبدأ مسيرة اللحاق بركب الأمم المتقدمة ، وقد كانت طبيعية الحياة بدوية معتمدة على التنقل بحثا عن الماء والمرعى ، وكان يوجد أماكن لتجمعات قليلة من أولئك الذين يشتغلون بالزراعة والتجارة , فسعى إلى تحفيز الجميع إلى الانضمام بالتجمعات التي أمر بإنشائها ، وفتح المراكز والمدارس التي تهتم بشؤونهم .



وكمثال على الإشكالات الجمة التي واجهها الملك عبدالعزيز( رحمه الله) في بدايات رحلة التأسيس هو التعليم ، الان يوجد بالمملكة عدد (24) جامعة و (20) كلية مختلفة ، عوضاً عن المعاهد والمراكز المتخصصة ، أما التعليم الأولي فقد نشر في جميع الأرجاء في المملكة على الرغم من الصعوبات التي واجهها التعليم في بداياته الأولى ، وبالأخص فيما يتعلق بتعليم الفتاة ، لقد وقف الملك عبد العزيز (في وجه جميع المحاولات الجادة لمنع افتتاح مدارس تدرس مبادئ العلوم الحديثة واللغات الأجنبية والرسم حيث أن الرسم يعتبر تصويرا والتصوير محرم قطعا واللغات الت قد تكون ذريعة للوقوف على عقائد الكفار وعلومهم الفاسدة ، وكانت الجغرافيا منكره لأنها تبحث في كروية الأرض ودورانها والكلام عن النجوم والكواكب مما أخذ به علماء اليونان وأنكره علماء السلف)
[5]


اليوم الوطني مناسبة تدعونا إلى دراسة البيئة الإستراتيجية التي أنشئت الدولة ضمنها ، حيث كانت الأوضاع داخليا وخارجيا بحاجة إلى رؤية واضحة لكل العوامل التي تؤثر في القرارات التي يتم اتخاذها ، ومن أهم الأفكار الإستراتيجية التي يتم تذكرها في هذا اليوم المجيد "اليوم الوطني" ما يلي:
1. وضوح الهدف لدى الملك عبد العزيز (رحمه الله) ، والتركيز على تحقيقه باستخدام الوسائل المتاحة.
2. أهمية التحالفات مع الدول الفاعلة ... أو التي يمكن أن يكون لها تأثير ما على الساحة الدولية ، كما حدث مع بريطانيا أولا ، ثم مع الولايات المتحدة فيما بعد ، حيث كان لذلك اثر كبير في ترسيخ وتثبيت الحدود والأمن الوطني بشكل كبير. وبناء علاقات راسخة مبنية على المصالح المشتركة ، لا نزال نتمتع بها إلى الآن .
3. الاهتمام الكبير بالأمن الوطني ....كان أمر تثبيت الأمن الداخلي واستقراره من أهم الأمور التي اهتم بها الملك عبدالعزيز(رحمه الله) ، فاصدر التشريعات التي تحافظ على الحقوق والممتلكات والتي تضمن امن وحرية وكرامة المواطنين ، كما سعى الى تهيئة الأجواء الآمنة للكسب والعيش الحلال ، وهي من الأسس اللازمة لتحقيق الأمن الوطني .
4. الاستخدام الصحيح للوسائل المتاحة ، بعدة طرق (المفاهيم الإستراتيجية) في بيئة إستراتيجية معقدة ، وذلك للوصول الى النهايات المرسومة ، في ظل مخاطر خارجية وداخلية متعددة .

دمت يابلد الخير ..وعاش ابنائك في خير



[1] Collins atlas of world history( borders press, 8th edition, phoenix USA ,2003(p.228).
[2] جون غلوب باشا (حرب الصحراء) ترجمة صادق الركابي (الأهلية للنشر والتوزيع الأردن ، 2004م ) ص 58.

[3] بدأت الحرب العالمية الأولى بتاريخ 28/7/1914م ، وانتهت في 21/10/1918م .

[4] هو اتفاق سري تم بين فرنسا وبريطانيا وصادق علية الروس ، وذلك بوضع العراق والشام تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي ، وقد تشكلت بناء عليه بعض الدول مثل (سوريا , لبنان ، فلسطين ، الأردن ، العراق والكويت) .

[5] نهاد ابراهيم باشا ( المجتمع الطموح والتنمية الاقتصادية والتحول الاجتماعي في مجتمع إسلامي على ضوء التجربة السعودية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1985م ) ، ص369 .

ليست هناك تعليقات: