الخميس، 3 يناير 2013

الربيع العربي وأثره على منطقة الشرق الاوسط


 
1. مقدمة : الوضع في منطقة الشرق الأوسط كان يشوبه الجمود الكبير في مشكلته الأكبر وهي عملية السلام بين العرب وإسرائيل من جهة ، وبشكل أساسي بين إسرائيل و الفلسطينيين من جهة أخري ، فلا الإسرائيليون حرصوا على عقد اتفاقيات سلام أو وضع أملاً للحل في طريق النقاط العالقة بين الطرفين ، ولا الفلسطينيين تغلبوا على خلافاتهم البينية للتفرغ لبناء دولتهم ومؤسساتهم التي تستطيع على أقل تقدير إحراج الإسرائيليين أمام رعاة السلام والمجتمع الدولي كافة .

كما أن البرنامج الإيراني استمر مشكلة تؤرق كل دول العالم والدول المجاورة لإيران على وجه الخصوص،وذلك بسبب الغموض الكبير الذي يحيط بذلك البرنامج الذي يهدف إلى إنتاج أسلحة نووية كما تدعي الدول المناهضة للبرنامج على الرغم من الزعم الإيراني بأنه أنشئ لأغراض سلمية ، وعدم وضوح الحقيقة نظراً لانعدام الشفافية من جانب الإيرانيين الذين يحرصون على الدخول إلى النادي النووي ، بغرض الهيمنة على دول الجوار وقلب موازين القوى في المنطقة لصالحهم ، كما أن الأوضاع غير المستقرة في لبنان والعراق وتوتر العلاقات بين تركيا وإسرائيل أدى إلى حالة من الركود الذي جعل الوضع الاستراتيجي لكامل المنطقة في حالة من الضبابية وعدم الوضوح ...

في هذه الأجواء استمر ميزان القوى العسكري مائلاً لصالح إسرائيل التي يحيط بها عدد من الدول والمنظمات المعادية ، وكلما حاولت إيران تحريك بعض القوى التي تأتمر بأوامر تصدر لها من طهران ضد إسرائيل تمكنت الآلة العسكرية الإسرائيلية من تقليم أظافر تلك القوى ، ولعل نتائج حرب (2006م ) التي دارت رحاها بين حزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى تبين حجم الدمار الكبير الذي ألحقته اسرائيل بالبنية التحتية اللبنانية ، كما أنه قتل (1760) لبناني في مقابل (157) إسرائيلياً ، أي أنه قتل إسرائيلي واحد مقابل (11.2) لبناني ، ومع ذلك نسمع دائما ان تلك الحرب غيرت موازين القوى لصالح المقاومة اللبنانية والمقصود هنا (حزب الله) ، وكذلك فأنه في الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عام 2008م قتل فيها (1328) فلسطيني مقابل (10) إسرائيليين ، أي ان تم قتل إسرائيلي واحد مقابل (132.8 ) فلسطيني،واخيرا كانت الحرب التي استمرت (8) ايام وحصدت 166 من الفلسطينين بمقابل وفاة (6) اسرائيليين ..اي تم قتل (27.7) فلسطيني مقابل قتل اسرائيلي واحد فقط ، مع ان استخدام الصاروخ البالستي فجر (5) يعد تطورا هاما في المواجهه بين الطرفين ، كما ان ما حدث لمصنع اليرموك السوداني الذي دمرته اسرائيل بعد منتصف ليلة الاربعاء 24 اكتوبر 2012م  يبين الى أي مدى اسرائيل جاده فيما يتعلق بقضايا امنها الوطني ، مع ان ذلك الهجوم سبقه هجوم في وقت سابق العام الماضي على قافلة تدعي اسرائيل انها كانت تحمل اسلحة لحماس ،والهجوم تم في السودان ايضا ...

 

2. تغيرات غير متوقعه . مع أن بعضاً من وثائق ويكيليكس قد أوضحت إمكانية وجود متغيرات على الساحة العربية ، خصوصاً أن مشاريع التغيير التي تم طرحها من قبل الجانب الأمريكي تحديدا وفي أكثر من مناسبة لم تنجح وبالأخص مشروعي ((الشرق الأوسط الجديد)) و (( الشرق الأوسط الكبير)) اللذان هدفا إلي مزيد من الديمقراطية وتبادل السلطة والشفافية والعدالة الاجتماعية مع ان المشروع الأول يذهب إلى ابعد من ذلك، لكن عدم إعطاء تلك الوثائق أي اهتمام أدى إلي أن يتفاجئ الكثيرين بتسارع الأحداث في الدول العربية ، بدأً من ثورة الياسمين في تونس التي اندلعت في (17 ديسمبر 2010م ) تضامناً مع الشاب محمد بوعزيزي وأدت إلى تغيير النظام هناك ، ثم ثورة ( 25 يناير 2011م ) التي انطلقت في مصر التي  غيرت النظام ولم تنتهي تبعات ذلك التغيير إلى الآن ، ثم تتالت الأحداث في ليبيا واليمن و سوريا بشكل لم تتوقعه استخبارات تلك الدول أو استخبارات الدول العظمى المهتمة بالمنطقة.

إن الحراك الشعبي الكبير الذي أزاح عدد من الأنظمة في المنطقة أعاد إلى الذاكرة فشل وكالة الاستخبارات الأمريكية(CIA) حول التنبؤ بالثورة الإيرانية عام ( 1979م ) التي أطاحت بشاه إيران ، وحولت إيران من بلد حليف وصديق للولايات المتحدة إلى بلد عدو ، ودولة مارقة ضمن دول محور الشر ، وبعد (30 ) عاماً يتكرر السيناريو ولكن في الدول العربية حيث لم تتمكن الولايات المتحدة من دعم حلفائها ومنع سقوطهم أمام تحركات شعوبهم , ولكن ماذا أدت إليه تلك التغيرات على الصعيد الاستراتيجي ؟

أن ما سيتم عرضه ليس إلا توقعات أولية إلى ما قد تصل إليه الأمور استراتيجياً ، وحيث أن مصالح الدول هي الأساس الذي تتحرك عليه مما يؤدى إلى إمكانية تغير مواقف تلك الدول وارد وبدرجه كبيرة ...... لذا فإنه بالنظر الى الوضع الاستراتيجي بالمنطقة حالياً يتضح ما يلي :

أ‌.                         جمود التفاوض في مسارات السلام المختلفة مع إسرائيل نتيجة للتعنت والغطرسة الاسرائيلية واستمرارها في بناء المستوطنات ، وعدم اتفاق الفلسطينيين فيما بينهم على كيفية قيادة الدولة .

ب‌.   انفراط التعاون الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل ،وتركيا اول بلد اسلامي يجري علاقات دبلوماسية كاملة مع الدولة اليهودية ، بعد ان وصل الى مراحل متقدمه جدا ، ففي المجال الاقتصادي تم انشاء منطقة تجاريه حرة بين البلدين في عام 2000م ، وبلغت الصادرات التركية لإسرائيل حوالي 1.5 بليون دولار كمعدل سنوي ، اما الصادرات الاسرائيلية فقد بلغت 1.8 بليون دولار ، كما قامت تركيا بتجميد 16 اتفاقا للتعاون العسكري بين البلدين من بينها الغاء صفقة بمبلغ 5 بليون دولار لشراء 1000 دبابة ميركافا 3 (Merkava Mk 3) ، وكذلك الغيت صفقة لشراء صواريخ الارو (Arrow-2) المضاد للصواريخ البالستية والبالغ قيمتها (2)بليون دولار ، اما السياحة فان تركيا تعد من اهم الدول التي يتردد عليها السياح الاسرائيليين ، لقرب المسافة بين البلدين ولأن تأشيره الدخول غير مطلوبة من السائح الاسرائيلي .

ج. زيادة التوتر بين تركيا وإيران على خلفية الموقف التركي من الأحداث الجارية في سوريا (حليفة إيران) مع أن التبادل التجاري بين البلدين ارتفع بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية حيث انه في العام الماضي زاد قليلا عن 10 بليون دولار، وبالأخص في مجال الغاز الطبيعي الذي تصدره إيران إلى تركيا ويستحوذ على 80% من إجمالي صادرات إيران ، في حين لم يكن يتجاوز بليون واحد في عام 2000م ، كما انه يزور تركيا سنويا أكثر من مليون سائح ايراني للسياحة .

د. عدم وضوح استراتيجيات القادمون الجدد بمصر ، وتباين الوضع هناك الذي سينعكس دون شك على اتفاقية السلام مع إسرائيل وإمكانية نشاط جبهة إسرائيل مع مصر ، ولعل الأحداث الأخيرة المتعلقة بتدمير أنابيب النفط ، وزيادة التهريب إلى الأرض المحتلة والسماح لإيران باستخدام قناة السويس لعبور سفنها الحربية بعد أن كانت ممنوعة لسنوات طويلة ، جميعها مؤشرات حول تغير الوضع والموقف من اتفاقية السلام ،وكذلك كيفية التفكير في السياسة الخارجية لمصر بعد الثورة.

هـ. استمرار حالة عدم الاستقرار في العراق وزيادة التدخل الايراني في الشؤون الداخلية والخارجية العراقية ، وتجاذب القوى السياسية بجميع فئاتها والصراع على السلطة زادت من حالة الاحتقان الذي يهدد بانفجار الوضع ليصل الى مرحلة تقسيم العراق الى دويلات ، خصوصا بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق ...

و. في اليمن لا يزال الصراع على السلطة تشوبه حالة من الضبابية ، ولا يزال الحوثيين يشكلون خرقا للنسيج الثقافي والأمني للمجتمع اليمني من خلال الدعم المالي واللوجستي الذي يحصل عليه من قبل ايران ، كما ان القاعدة استغلت الصراع السياسي بطريقة رسخت اقدامها في بعض المناطق ..

ز. فقدت روسيا الاتحادية ليبيا كدولة كانت تمثل مجالا حيويا لها ، ودولة تمنحها الفرصة للوصول الى المياه الدافئة من خلال المواني الليبية التي كانت ترسو فيها السفن والأساطيل الروسية ،مع ان ليبيا نفسها مرشحة للتقسيم نظرا لكبر مساحة الدولة ووجود ثروات كبيره بها مع قلة عدد السكان ...وهذا الوضع تحديدا يفسر اصرار روسيا للوقوف خلف النظام السوري حاليا  .. 

3.أسوء السيناريوهات الاستراتيجية .. حدوث تغييرات غير متوقعة قد يؤدي الى تحالفات استراتيجية غير متوقعة ، وحيث ان المصالح هي الاساس في بناء العلاقات الدولية ، فان امكانيات نشوء تحالفات جديدة ممكنه جدا ،ولعل اسوءها من حيث التأثير على امننا الوطني ما يلي ...

   أ.تحالف ايران و مصر ..التغييرات في مصر غير واضحة المعالم حول العلاقات مع بعض القوى في المنطقة ، والعلاقات المصرية الايرانية منذ اندلاع الثورة الاسلامية بإيران عام 1979م كانت دائما متوترة ، منذ ان قام الرئيس الراحل السادات باستقبال الشاه و أسرته على الأراضي المصرية في الوقت الذي رفضت عدة دول تلك الاستضافة ، وعلى الرغم من التصريح الذي ادلى به رئيس المجلس العسكري حول العلاقات بين البلدين حيث قال "انه يرى في إيران تهديداً إقليمياً استراتيجيا " الا انه صدرت تصريحات من الخارجية المصرية ترى فيها ان مصر مستعدة لفتح صفحة جديدة مع إيران ، كما ان ارسال وفد شعبي مصري الى ايران تؤكد حقيقة المساعي المصرية تجاه طهران ، وان تلك المساعي تحضى بتأييد شعبي واسع وليس توجه حكومي فقط  ..

ب. تحالف ايران و اسرائيل ... على الرغم من العداء الظاهر اعلاميا بين البلدين ، الا انه يوجد اتصالات متعددة سرية بين بعض الجهات في البلدين ، وحيث ان المنظمات التي تأخذ اوامرها وتعليماتها من طهران تحيط بإسرائيل من كل جانب ، فان الاسرائيليين قد يرون في السيطرة على تلك القوى من خلال ايران هو الحل الافضل لأمنهم القومي ،وتاريخيا كان هناك علاقات بين البلدين قبل الثورة في ايران وخصوصا فيما يتعلق بالتعاون العسكري والتسليح ، ولعل مشروع (زهرة) [Project Flower] المشروع المشترك بين البلدين الذي كان يهدف الى إنتاج صاروخ متعددة الاغراض يمكنها حمل رؤوس نووية ، والذي تم الاتفاق عليه في يوليو  عام 1977م والغي بعد قيام الثورة بإيران .كذلك قامت ايران بتزويد اسرائيل بغاز ونفط في العام 1978م بما قيمته 280 مليون دولار ..لذا فان امكانية فتح علاقات من أي نوع بين البلدين وارده ..وتزداد فرص انشاء تحالف بينهما مع تزايد فرص سقوط النظام السوري ..

 

ج. تقسيم اليمن الى عدة دول ..  قبل الاحداث الاخيرة في اليمن بسنوات ، كان اليمن دائما يصنف ضمن قائمة الدول الايلة للسقوط الذي تصدره سنويا مجلة (Foreign Policy) ،وذلك لعدة اسباب ومعايير تنطبق عليها ، ولكن الوضع في اليمن ازداد سوءً في النواحي الامنية والاقتصادية قبل وبعد الاحداث التي غيرت رأس النظام ، فهناك الحوثيين الذين يبحثون عن دوله خاصة بهم بدعم كبير من قبل ايران ،وهناك الحراك الجنوبي الذي يرغب في العوده الى التقسيم كما كان الوضع قبل عام 1990م ، وتواجد القاعدة المكثف في اليمن والتي تحاول انشاء دولة اسلامية خاصة بمنسوبيها،كل تلك الامور قد تؤدي في نهاية المطاف الى تقسيم اليمن مما سيزعزع الامن والاستقرار في كامل المنطقة ، وستزداد حوادث القرصنة والخطف في منطقة جنوب البحر الاحمر وبحر العرب ...

 

4. الخلاصة ...جميع الاحداث ادت الى ان تبقى اسرائيل صاحبة الميزان الارجح للقوى في المنطقة ، نظرا للوهن الذي اصاب الجيوش العربية نتيجة لانشغالها بما يجري في بلدانها ، بل انه في بعض الدول تم الزج بجيوشها في الاحداث الساخنة داخلها ،واتهمت بعض الجيوش بعدم وطنيتها مما زعزع الثقة بها ، وتزامن مع ذلك انصراف تلك الجيوش عن التسليح والتدريب لصد أي عدوان خارجي ، كما ان الحصار المفروض على ايران التي تعاني اقتصاديا قد يزيد معاناة هذا البلد ، مع ان المسئولين الايرانيين يدعون حصولهم على تقنيات او اسلحة متطورة ، ولكن الواقع يقول ان القوات الجوية والدفاع الجوي ضعيفة بدرجة كبيره تجعل مجالها الجوي مفتوحا لأي قوى ترغب ضربها ..

 

محمد بن يحي الجديعي

ليست هناك تعليقات: