الأحد، 21 مارس 2010

رحلة إلى البكيرية





البكيرية مدينة جميلة تقع في منطقة القصيم وتبعد عن الرياض حوالي (340) كم ، لقد كانت هي المكان الذي تم اختياره لرحلة جماعية لعدد من الزملاء الذين اعتادوا في الآونة الأخيرة التجمع لنفض غبار المكاتب وإنزال هموم الحياة من على المتون ، وقد كانت الرحلة استجابة لدعوة كريمة من الأخ الفاضل (سليم) الذي قام هو ونسيبه (ثويني) والأخ (خالد) وكذلك أبناء عم ثويني (ناصر، محمد ، يوسف ،عبدا لله) الذين كانوا شعلة من التفاني وقمة في الكرم ومثال رائع لحسن الطباع والأخلاق الحميدة ، فلهم منا جميعا الشكر والعرفان ، وفقهم الله.

كانت الرحلة إلى تلك المنطقة مريحة للغاية نظرا إلى جودة الطريق السريع الرابط بين مدينة الرياض ومنطقة القصيم ، كما أن الطرق التي تم استخدامها خلال فترة بقائنا في المنطقة مميزة جدا ، ذكرتني بالطرق الرائعة في بعض الدول المتقدمة ، وربما أن لانبساط المنطقة وسهولة شق الطرق دور في أن تكون الطرق جميلة ورائعة . مع أنه يتضح الاهتمام الكبير من الوزارات المعنية بهذه المنطقة بخلاف بعض المناطق الأخرى التي لا تهتم بها تلك الوزارات ، مع ان مضيفينا ذكروا بان الإسهام الكبير من أثرياء المنطقة لرصف الطرق وتزيين الشوارع وعمل التحسينات وعمل الميادين والتشجير هو الذي أدى إلى ما شاهدناها .

(بريده ، عنيزة ، البكيريه ، البصر،الزلفى ) مدن جميلة جدا والاهتمام واضح تماما بهذه المدن ، وليس ذلك بمستغرب اذا ما عرف ان عدد من الوزراء التنفيذيين هم أبناء تلك المدن ، واثبتوا حبهم وولائهم لمدنهم ، واثبتوا انهم غير عاقين بمدنهم التي ترعرعوا فيها ...


تخلف عن هذه الرحلة(عبد لله 3 الصامت) الذي آمل أن يكون المانع خير ، لقد افتقدناه بالفعل فهو دائما يمثل أضافه جميله للمجموعة ، كما أنه انضم للمجموعة زميل عزيز قدم من جده وتجشم عناء السفر بالطائرة إلى الرياض ثم انتقل برا إلى القصيم وهو الأخ الفاضل "عبد العزيز" الذي تعود أصوله إلى مدينه عنيزه مع أنه من مواليد منطقه مكة المكرمة ، ولكنه يعرف المنطقة جيدا لأنه يتردد عليها بصفه دائمة .

اكتمل وصول الجميع حوالي التاسعة مساءً ، وقد كان الجو بديعا مائلا إلى البرودة قليلا ، ولكن حرارة اللقاء وحفاوة الاستقبال من مستضيفينا ساهمت في بث الدفئ في الأجساد التي انهكتها سنوات العمر ، مع انه تحلق الجميع على (شبة النار) التي تم إعدادها بطريقه متقنه ، والشبه هي عبارة عن حفره ليست بالعميقة توضع فيها جذوع كبيره لبعض الأشجار الجافة قد تكون (غضا او ارطا او غيرها) تحرق تلك الأشجار بطريقة معينه لزيادة الدفئ في الجالسين ، ويتم عمل الشاي والقهوة على الجمر الناتج من تلك النيران الملتهبة فتكتسب طعما مميزا لا يقاوم .

انتظر الجميع وصول (عبد الله 4) الذي استغل المناسبة لإيصال والدته إلى مسقط رأسه مدينه الرس التي تبعد عن مكان وجودنا بحوالي 60 كيلومتراً ، فهو ابن المنطقة البار ، وعندما وصل تحلق الجميع على صحون العشاء الذي اعد بطريقه رائعة ولذيذه ، حيث كان ضحية تواجدنا هنا خروفين ثم طهيهما بطريقه مميزه اتضحت فيها اللمسات الجميلة لأبو فيصل(ثويني) وأبو سعد (خالد) .


بالمناسبة فان معرفتي (بثويني وخالد) قديمه جدا حيث لم أقابلهما منذ فتره تزيد على ربع قرن تغيرت فيها المعالم ، وازدادت شعرات الشيب ، وبدت أخاديد العمر على الوجه والخدود ، وكانت مقابلتها هذه الليلة فرصه جميله لتجديد العهد بهما والحديث معهما ومعرفه أحوالهما .

تميزت بقيه الامسيه لهذه الليلة بقفشات سلطان المعتادة ، حيث قرر قبل أن يصل الى هنا القيام وبطريقة مرتبة كسر عادة تناول الأحاديث المتفرقة وتحويلها الى جرعه ثقافيه يستفيد منها الجميع ، حيث قام بإعداد أسئلة ثقافية وإختيار رئيسين لفريقين ثم تشكيلهما للتنافس ، حيث كان "عبد الله 5 "على رأس مجموعه (المنظرين) و"مداوى" على رأس المجموعة الأخرى (المفكرين) ، وقد كانت الأسئلة مختارة بعناية فائقة أوضحت قدرات أعضاء الفريقين المعرفية ، واستمر الوضع كذالك إلى أن كان السؤال الشرارة ، الذي قلب الأمسية رأسا على عقب ، وكان السؤال التاسع عشر عن الحاسب الآلي هو من اندس في مجموعتي الأسئلة دون انتباه من "سلطان" ، لكن التعليقات اللاذعة التي شنها (عبد الله 5 و مداوى وعلى وصالح وإبراهيم ) كانت سببا في أن يجمع سلطان الأوراق ثم يقوم بتمزيقها بين أظهرنا ، ولكن ما زاد الطين بله هو ان إبراهيم انتزعها من سلطان ثم وضعها في النار المشتعلة ، وعندما احتدم النقاش الناعم والتعليقات اللطيفة على سلطان الذي كان يغلي كالمرجل ، اضطر بعضنا إلى التدخل لتلطيف الأجواء وأعاده النظام إلى المكان ، ام الأخ عبد الله 3 فقد كان محامياً عنيفاً عن سلطان ، وكان وقوفه الى جانب سلطان مميزا ، وعندما عاد سلطان لسابق عهده عادت النكات والتعليقات الى سابق عهدها ايضاً.

عندما حل موعد النوم انقسمت المجموعة الى ثلاث مجموعات اصغر في غرف النوم التي احتوى أكبرها على مجموعه كبيره من المشخرين يتزعمهم "عبيد ، سلطان ، إبراهيم ،علي ،محمد" وقد تميز عبيد بنبرة شخير غريبة ومنفرد ، وقد وصفها جارة عبد الله 5 بطريقة مضحكة يصعب تمثيله كتابه ..ولكنه قال بان " عبيد يقوم بالبحث عن فترات التقطع من الشخير بطريقه غريبة كي لا يفوته أي لحظه " والغريب ان عبيد كان في حالات كثيرة يشخر وهو جالس ويسمع الأحاديث ، بل ويعلق عليها .

كان النوم قصيرا ومتقطعا حتى حانت لحظه صلاة الفجر التي أمنا بها "مداوي " وبعد انتهاء الصلاة استأنفت التعليقات من جديد الى ساعة انطلاق الجميع للمشي والجري الصباحي على أطراف المزرعة الكبيرة وقد بانت السنون الثقال على كواهل الزملاء الذي كانت حركتهم بطيئة ومحزنه بشكل كبير ، وبعد العودة انقسم الجميع إلى ثلاث مجموعات مجموعتان تتنافسان في الكره الطائرة ومجموعه للتشجيع والتعليقات من خارج الملعب وقد اتضح أن الفرقتين المتقابلتين وزعتا بطريقه غير عادلة حيث كانت الغلبة في نهاية الأمر لأحدهما في الأشواط الثلاثة ، مع أنه بذل جهود كبيره من الفريق المنهزم للصمود ، ولكن كان للقوه الكلمة الاخيره في فرض الامر الواقع والمنطقي ، المؤسف أن لاعبين "سلطان وعبيد "تعرضا للإصابة بسبب سوء اللياقة ومكابرتهما في الاعتقاد بانهما لا زالا شابين صغيرين ...... ولكنهما تعافيا ولله الحمد .


في تلك الفترة ذهب(عبد الله وعبد الله) لإحضار وجبة الإفطار التي كان التجمع حولها والأحاديث المنوعة ممتعه ولذيذه. ..لكن حركات وقفشات سلطان لم تنتهي فقد قام بتمثيل عملية تنفيذ لقرار صدر بحقه قبل "30 عاما " ،وقد كان ذلك الحدث مثيرا للغاية ومفاجأ للجميع عدا "عبيد ومحمد وإبراهيم " الذي كانوا أعضاءً ضروريين لتنفيذ ذلك المشهد التمثيلي الظريف .


تحرك الجميع بعدها في جولة على المدن القريبة للتعرف عليها ، وقد كانت البداية بالبكيرية تلك المدينة العصرية والجميلة في كل شيء والتي اتضح لنا انه كان منها عدد كبير من الوزراء في الدولة والذين أفادوا بلدتهم وقدموا لها خدمات رائعة أظهرتها بتلك الصورة الرائعة ، ثم تحركنا إلى بريده مرورا بعنيزة والبصر ومزارعها المنسقة بشكل ملفت للنظر ، وعند الدخول الى بريده برزت نكهتها الخاصة بها والتي تتميز بأنها مدينة تجاريه راقيه.

وقد أخذنا الى مركز المدينة وتحديدا الى المركز الحضاري حيث يقيام مهرجان الكليجا تلك الفطائر المحشوة بالعسل او الدبس التي تتميز بعملها هذه المنطقة ، وعند دخولنا الى المركز المخصص لأقامة المعارض والانشطة المختلفة قادنا السيد(خالد) من الشؤون العامة في المركز في جوله داخل المركز المعد بطريقه مميزه ، كما تم مشاهدت القاعات المختلفة الخاصة بالانشطه التي تقام ضمن المهرجان وأماكن الأمسيات والعروض وكانت الزياره جميله ، وفكرة اقامة المهرجان رائده بكل المقاييس .

بعد انتهاء الزياره عدنا الى المزرعه حيث فوجئنا بأن (ثويني) وبقية مضيفينا قاموا بالاستعدادات اللازمه لعمل وجبة الغداء ، وذلك بان سفحوا دم خروفين آخرين ، وقد قاموا مشكورين بطهيهما بطريقه مميزه باستخدام تقنيات سهله ولكنها فعاله بدرجه كبيره ، بعد الغداء توزع الجميع بين راغب في النوم وآخر في التسوق وثالث في الراحه والتحادث او زياره بعض أجناب المزرعة الجميلة .

هبت عاصفه ترابيه مفاجئه على المنطقه منعت البعض من السفر المستعجل ، لقد كانت تلك العاصفه مزعجه بشكل كبير ،اما وجبة العشاء فقد تكونت من بعض المأكولات البحرية اللذيذة التي تخلف عنها محمد الذي كان متوعكا على خلفيه وجبه الغداء وهو ما جعله يؤجل السفر الى الرياض .

الرحله الى هذه المزرعه المرتبه بشكل مريح ذكر الجميع بالبساتين التي اشتهرت بها بغداد وبعض مدن الاندلس في العصر الاسلامي الاول ، حيث المياه الرقراقه والنواعير والخضرة المنتشرة وأشجار الفاكهة الوارفة ...وكان البقاء هنا لهذه الفترة الوجيزة للغاية بمثابة غسل للهموم والأتعاب وفرصه لتجديد العهد بالزملاء والأحباب ، وقد اقترح عبد الله 1 بان يتم تنظيم اللقاء بصفه أدق وخصوصا ما يتعلق بالفترات الفاصلة بين اللقاءات ، وانا شخصيا أرى ان تكون الفترة الفاصلة كحد ادني ستة أشهر ...

والى اللقاء في الرحلة القادمة التي قد تكون في المدينة المنورة او في عروس البحر الأحمر التي أصبحت عجوز أصابها مرض باركنسون .



محمد بن يحي الجديعي


الرياض/ ‏الأحد‏ 06‏ ربيع الآخر 1431 هـ


ليست هناك تعليقات: