الثلاثاء، 19 يوليو 2011

تقسيم السودان ..درس هام في الاستراتيجيا .




ظل السودان اكبر بلد عربي من حيث المساحة منذ نال استقلاله من مصر والحكم الانجليزي معا عام 1956م ، وبدأت إرهاصات تفتيته من لحظة دخوله حربا أهليه طاحنه دامت 10 سنوات من العام 1972-1982 م ، ثم حربا أخرى في الجنوب مع حركة الدكتور جون قرنق (الحركة الشعبية لتحرير السودان) منذ 1985 م إلى أن تم الاتفاق في العام 2005م على وضع نهاية لهذه الحرب التي قتلت الكثير ، وأضرت بالاقتصاد السوداني ضررا كبيرا .



خلال فترة الاقتتال مع حركة د. جون قرنق في الجنوب ، فقدت الحكومة أجزاء كبيره من جنوب البلاد لصالح الحركة ، وقتل ما يقارب (2) مليون شخص ، وأعيق إعاقات مختلفة حوالي (4) مليون شخص ،وشرد حوالي ( 628) الف شخص ، وقدمت مساعدات إغاثية كبيره من الأمم المتحدة وبعض الدول ، فمثلا الولايات المتحدة قدمت ما يزيد على (2) مليار دولار ..، ولم يكن هدف حركة قرنق الانفصال ، بل التقسيم العادل للثروة والسلطة ، فقد كان أهل الجنوب يعتقدون ان الحكومة لا تولي منطقتهم الاهتمام اللازم كبقية الأقاليم وبالأخص في الشمال .

 
ثم ماذا حدث ؟؟

تم توقيع اتفاق إطاري يسمي "بروتوكول ماشاكوس" في يوليو من عام 2005 والذي أعطى للجنوب حكم ذاتي لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات ، وإجراء استفتاء حق تقرير المصير للجنوبيين في العام 2011م ، كذلك أعطى الفرصة لبناء مؤسسات الحكم الانتقالي . وفي 9 يناير 2005 وقعت الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا ...
 

ثم أنفصل جنوب السودان عن باقي السودان في استفتاء شعبي أعلنت نتائجه النهائية في فبراير 2011م ، وتم الإعلان عن استقلال كامل للدولة الوليدة في 9 يوليو من نفس العام والجميع شاهد الاحتفالات الكبيرة التي أقيمت بهذه المناسبة والتي دعي لها الكثيرين من السياسيين في العالم ...وكان الرئيس البشير حاضرا ، ودون التاريخ أسماء البشير و سـَلڤا كير مَيارديت (خليفة د.قرنق الداهية العسكري والمفكر السياسي العنيد) كشهود على تقسيم ذلك البلد ...



في أحيان كثيرة تكون المساحة الكبيرة للدولة مشكلة كبيره تهدد أمنها ووحدتها الوطنية ، خصوصا اذا تعددت الدول المجاورة ،واختلفت التركيبة السكانية عرقيا ودينيا ومذهبيا ، وكانت الدولة المركزية ضعيفة بما يكفي ما يسمح بدخولها في صراعات داخلية وخارجية متعددة ...

 
كما ان دور المنظمات غير الحكومية كان واضحا في التأثير على الوضع السياسي والاستراتيجي داخل الدولة ، وكانت اللامبالاة لما تقوم به تلك المنظمات من المخاطر الكبيرة التي أثرت في نهاية المطاف في تغيير الحدود في السودان التي بقيت ردحا من الزمن دون تغيير.



كذلك فان تعرض مصالح الدول العظمى للخطر قد يؤدي الى ان تقوم تلك الدول بادوار خطيرة في تأجيج الخلافات الداخلية ، وتأليب الحكومات والمجتمع الدول وربما تمويل القوى المعارضة ، وقد كانت خسارة الشركات النفطية الغربية لامتيازات التنقيب في السودان امام الشركات الصينية لأسباب سياسية وليست تجارية بداية المتاعب للحكومة المركزية في السودان مع الدول الغربية ..



هل استوعب السودان الدرس ؟ ليمنع فصل إقليم دارفور ....

وهل استوعبت الدول العربية بشكل عام درس تفتيت العراق والسودان ... وهل وعي جميع القادة اي خسائر وطنية يمكن ان تصل بهم بعض مواقفهم السياسية؟

وهل وجود دول جديدة في المنطقة سيساهم في الاستقرار واستتباب الأمن ويحسن من المستوى المعيشي ، ويدعم حقوق الأفراد والأقليات ؟

 
هناك تساؤلات كثيرة حول ما حدث في السودان وعلاقته بالحراك العربي الحالي ...والايام لا تزال حبلى بالكثير من الأسرار ....وربما ان الدور في التقسيم حاليا هو على ليبيا ..البلد الكبير في مساحته القليل عدد سكانه ...الغني ببتروله ...والغريب في سياساته ... 



محمد بن يحي الجديعي

الرياض 18 شعبان 1432هـ



ليست هناك تعليقات: