الاثنين، 19 يوليو 2010

ماذا يدور في السودان ؟




(مقال كتبته قبل 6 سنوات تقريباً ، واحتفظت به الى ان سمعت مؤخرا ما يدور في هذا البلد الغالي علينا جميعاً ....لكننا لا نتعلم من دروس التاريخ المريره تحديدا .....فهل نرى ثلاث دول سودانية بدلا من واحده ؟؟)






السودان هذا البلد العربي، الأفريقي (متعدد الأديان والعرقيات ) ، شاسع المساحة (2,505,810 sq km )، كثير السكان (39,150,000 ) تقريبا ، الذي نال استقلاله من مصر والحكم الانجليزي معا عام 1956م ، هذا البلد الكبير جدا اذ انه اكبر بلد عربي من حيث المساحة ، دخل حربا أهليه طاحنه دامت 10 سنوات من العام 1972-1982 م ، ثم حربا أخرى في الجنوب مع حركة الدكتور جون قرنق (زميل الرئيس البشير في الكلية الحربية ) منذ 1985 م إلى أن تم الاتفاق مؤخرا على وضع نهاية لهذه الحرب التي قتلت الكثير ، وأضرت بالاقتصاد السوداني ضررا كبيرا .

ولكن بدأت بعض النيران التي كانت تحت الرماد بالظهور في الإقليم الكبير (دارفور) والذي يعد من اكبر الأقاليم من حيث المساحة (تعادل مساحة فرنسا وهولندا والبرتغال مجتمعة ) ويصل عدد السكان الى (7) ملايين نسمه ، أعظمهم مسلمون مع اختلافهم العرقي . تلك النيران هي ترجع في الأساس الى العام 1882م عندما قامت بريطانيا ومصر بضم دارفور الى السودان بعد ان كان سلطنه مستقلة بذاتها .


جميع الصور غير الملونه من مجلة التايمز الامريكيه....






ان ما تم مؤخرا في هذا الإقليم من اقتتال شرس ومذابح مروعه ، ثم زيارات الأمين العام للأمم المتحدة ،ووزير الخارجية الأمريكي ، الدعوات الدولية للحكومة السودانية بوضع حد لهذه الأحداث ، كلها تعيد الذاكرة قليلا للوراء الى ما حدث في (يوغسلافيا و اندونيسيا ) ، ففي الحالتين تم فصل (البوسنه والهرسك ، وتيمور الشرقيه ) .


عدد كبير من الزعماء المحليين يتهمون الحكومة بتهميش هذا الإقليم تنمويا ، فلا تعليم ولا مستشفيات ولا مشاريع إنمائية ، ثم انهم اغلبيه عربيه عرقيا ويتذكرون جيدا ما كان يقدم هذا الاقليم من مساعدات ودعم للمسلمين والعرب وبالأخص في الجزيرة العربيه ابان حكم الاتراك للمنطقة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، وهم يعتقدون ان ما يتم حاليا ليس الا انتقاما لدعمهم للأتراك في تلك الحقبة التاريخية .








ولكن هل هذا الإقليم لديه مقومات تكفيه للانفصال او إنشاء دوله ؟ ثم لماذا لم ينفصل الجنوب الذي ضحى كثيرا في حربه مع الحكومة ؟


خلال فترة الاقتتال مع حركة د. جون قرنق في الجنوب ،والتي فقدت الحكومة أجزاء كبيره من جنوب البلاد لصالح الحركة ، قتل ما يقارب (2) مليون شخص ، وأعيق إعاقات مختلفة حوالي (4) مليون شخص ،وشرد حوالي ( 628) الف شخص ، وقدم مساعدات اغاثية كبيره من الامم المتحده وبعض الدول ، فمثلا الولايات المتحده قدمت حوالي (2) مليار دولار ..، لكن لم يكن هدف حركة قرنق الانفصال ،بل التقسيم العادل للثروة والسلطة ، فقد كان اهل الجنوب يعتقدون ان الحكومه لا تولي منطقتهم الاهتمام اللازم كبقية الأقاليم وبالأخص في الشمال .

بالنسبة لمساحة اقليم دارفور فهي كبيره جدا ، وكذلك عدد السكان ، والتنوع العرقي والديني والعمق التاريخي جميعها متوفرة ،ولكن الناحية الاقتصادية تنحصر في الزراعة والرعي .



الآن تعرضت قرى ومناطق تامة للإبادة النهائية ، وأحرقت أيضا قرى كثيرة ، وتظهر الصور الجوية كوارث مفجعة في هذا الإقليم (دارفور) (الصور تم أخذها من مجلة التايمز الأمريكية) ، المشكلة ان الإعلام العربي لا يعرف عن المشكلة الا القليل جدا ، علما بان المنظمات الاغاثية ،والإعلام الغربي مهتم بدرجة كبيره بهذه القضية ، الحكومة السودانية تحاول وضع حد للمشكلة ،وقد حاولت ان لا تثير المجتمع الدولي عندما قررت إرسال اكثر من 6000 جندي للمحافظة على الأمن ،ولمنع أي تدخل دولي في الإقليم ، كذلك قررت اتخاذ إجراءات هامه فيما يتعلق بإعادة اللاجئين وبناء المناطق المتضررة ، وتعهدت للامين العام للأمم المتحدة بتحسين الوضع هناك . وهي خطوات ارجوا ان تتمكن السودان من تنفيذها ولو تطلب الوضع طلب معونات من الدول العربية القادرة .

افريقيا دائما فيها النزاعات العرقية مشكله كبيره تخرج غالبا عن سيطرة الحكومات المركزية ، ولكن اتمنى ان ما يتم ليس تكرار لسيناريوهات بعضها حديث نسبيا والبعض لها جذور تاريخيه ،وارجوا ان تكون كل ذلك مجرد خوف وحذر مني انا شخصيا ، العالم مهتم بالمشكلة بشكل مخيف ، ونحن وإعلامنا والجامعة العربية في نوم عميق .




الاتحاد الإفريقي هدد وتوعد السودان في اجتماعاته الاخيره بضرورة وضع حد للمشكلة ،بل انه قرر إرسال قوات إفريقيه للإقليم رغم التعهدات التي التزمت بها الحكومة السودانية بنزع سلاح (الجنجويد) وهي قبائل عربيه لها صلات جيده مع الحكومه بل قيل انها تدعم من الحكومة كما تدعي بعض الجهات وكما تؤكده منظمات اغاثيه وتقارير استخباريه غربيه ، بل انه (الاتحاد الافريقي) طلب من مجلس الأمن إصدار قرار عاجل حول الازمه ،وهو ما يعد تهديدا حقيقيا لأمن السودان ، لأنه في حالة تدخل مجلس الامن (بعد ان دخلت دول تعد سياساتها الخارجيه دائما جاده وغير متسرعة مثل فرنسا والمانيا ) ، فان السودان سيرغم على قبول إجراءات وشروط قد تتدخل في شؤونه الداخليه ، وقد لا تعجب الكثيرين لأنها بالتأكيد ستمس السيادة الوطنيه للدوله . وقد يتطور الوضع الى ما هو أسوأ ، وهو ما لا نوده ابدا.


وقد وافق السودان مرغما على ارسال عدد (300) جندي إفريقي الى الإقليم ،وذلك لحماية جهات رقابيه تقوم بمراقبة الوضع هناك وتقيم الإجراءات التي تتخذها الحكومة المركزية .

اخيرا فان لغة الخطاب الأمريكي والبريطاني بدأ يأخذ طابع التهديد والوعيد ،ونشط مندوبي الدولتين لدى الأمم المتحدة لوضع المشكلة على طاولت البحث وربما إصدار بعض القرارات من مجلس الامن التي غالبا ما تتصاعد في وقعها على أي دوله الى الوصول إلى الوضع التي ترغبه بعض الدول والأوساط الدبلوماسية .


ماذا يجب على السودان عمله ؟

السؤال صعب ولكن قد تكون الحكومة السودانية قد بدأت بالفعل اتخاذ بعض الإجراءات ومنها :

# الموافقة على إرسال أعداد من القوات الإفريقية ، ورفض ذلك كان يمكن ان يسبب بداية ازمه مع المجتمع الدولي ،والاتحاد الإفريقي .

# اصدار اكثر من (20) قرار اداريا ، لتصحيح الوضع ومنع أي مزيد لمعانات السكان بالإقليم ،واللاجئين الذين تقطعت بهم السبل داخل وخارج الدولة .

# طلب المعونة من الدول العربية بالذات ، القادرة على أي مساعدات إنسانيه ، وللأسف الى الآن هناك فقط منظمه واحده إسلاميه تقدم بعض العون ،ولا يوجد سوى الإمارات التي تقدمت بطلب الى الحكومه السودانية للمساعدة .

# استخدام الإعلام المحلي والأجنبي كوسيلة لبيان جهود الحكومه لحل المشكلة ،وسرعة محاكمة بعض الجهات التي كان لها ادوار كبيره في الإبادات الجماعية ،وبالاخص بعض زعماء القبائل الذين تم إلقاء القبض عليهم .

# طلب اجتماع عاجل لجامعة الدول العربية لمناقشة الوضع في دارفور ، والاستئناس ببعض الحلول التي يمكن طرحها ، خاصة ان كثير من السياسيين الأجانب يعولون كثيرا على دور ما يمكن ان تقدمه الجامعة .

# اعلان خطه مفصله عن ما تنوي الحكومة القيام به في الإقليم ، لتنميه المجتمع وتوفير خدمات أساسيه كان كثير منها سببا في اندلاع الأزمة .


هل تنتهي المشكلة بعد اتخاذ إجراءات حاسمه ترسخ الأمن في الاقليم ، ام ان المشكلة لن تنتهي الا بعد فوات الأوان بتقسيم السودان مثلا ، ثم نتهم جهات أخرى بالمؤامرات وخلافه كالعادة .





محمد بن يحي الجديعي

الرياض 20 جمادى الأولى 1425هـ











ليست هناك تعليقات: