الجمعة، 16 أكتوبر 2009

الحرية في الرأي والأمن الوطني



مقال قديم

 

المتابع للصحف اليومية و بعض مواقع الانترنت في الفترة الماضية يلاحظ سجلاً و جدالاً و طرحاً طويل و مملاً أحيانا ، حول كارثة تسونا مي التي حلت ببعض الدول في جنوب شرق آسيا ، ورؤية الدكتور عبد العزيز الفوزان (أستاذ الفقه المقارن بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) على قناة المجد حول أسباب وقوع تلك الكارثة من وجهة نظرة ،حيث ربط وقوع الكارثة بالاحتفالات التي تقام بمناسبة عيد ميلاد المسيح (عليه السلام) وما يقع فيها من مخالفات ومعاصي.
لقد ترأس فئة الاعتراض على وجهة نظر الدكتور الفوزان صحفيين وباحثين بارزين منهم الأستاذ تركي السد يري رئيس تحرير جريدة الرياض والأستاذ جمال خاشقجي المستشار الإعلامي في السفارة السعودية بلندن ، وقد كان اعتراضاتهم تتركز على ما يلي:
1. استبعد الدكتور الفوزان بعض القوانين الطبيعية مثل الزلازل والبراكين.
2. أنه أحد الداعين إلى نبذ الغير ومعتقدي الديانات الأخرى، وهو الأكاديمي والفقيه.
3. أن طرحة قد سببت نقدا لاذعا للمؤسسة الدينية والتعليمية في المملكة نظرا لكونه من رموز تلك المؤسستين.
4. كثير من ضحايا تسونا مي (225.000) كانوا من المسلمين ،وإن معظم البلاد التي تعرضت للكارثة هي إسلامية.
5. أي شخص يمثل السعوديين أكثر ؟ الدكتور الفوزان بوجهة نظرة هذه ...أم الدكتور الربيعه بعمله المميز في فصل التوأمين الساميين البولنديين؟؟


سأقوم بالنظر لهذه القضية من جانب آخر تماما ، وليس له علاقة بأي من الطرفين ولكنها نظره بآلية مختلفة قليلا.


أولا: قناة المجد الفضائية:
أ. القناة تتبع القطاع الخاص وليست مدعومة من الحكومة (كما يعتقد كثير من المتابعين السياسيين والاستراتيجيين الغربيين ) ، ويتم تمويلها ووضع سياساتها من قبل أصحابها وبالتالي فهي مستقلة بارائها ،وهي المسئولة عن برامجها وما تبثه من أفكار ، ويجب عليها وحدها تحمل تبعات نهجها ، علما بأنها ذات طابع إسلامي بحت (سني) ولها الحق في تبني أي رؤية تتوافق مع إيديولوجيتها التي تتبعها.
ب. حرية الطرح واختلاف وجهات النظر فيما تبثه القناة هي سمة جديدة للإعلام في عصرنا الحاضر, ومن حق القناة بث ما تراه يلائم سياستها بعيدا عن الأضرار عن الأمن الوطني (للمملكة) والمصالح العليا للدولة ويجب على الإعلاميين في القناة معرفة ذلك بوضوح تام.
ج. يوجد في الولايات المتحدة والدول الغربية عامة قنوات فضائية وغير فضائية وإعلام له طرح مختلف ومتشدد في كثير القضايا ويخدم النهج الذي يتبعونه , ودائما يظهر عليها متعصبون وكارهون للغير ، ودائما ما يعد ذلك من باب اختلاف الرأي ولا يمثل الجانب الرسمي للدولة ، وحيث أن ذلك يعد مقبولا هناك ، فيجب أن ينظر إلى ما تبثه قناة المجد المختلف في الطرح مع أي رؤى إلا مثالاً آخر لاختلاف وجهات النظر، وان نتجنب الحساسية المفرطة حول ما تنهجه تلك القناة او غيرها .
د. الأشخاص الذين يظهرون على القنوات التلفزيونية هم لا يتحدثون إلا عن وجهات نظرهم ولا يمثل طرحهم المؤسسات التي يتبعونها, وهم فقط يتحملون نتائج ما يطرحونه وهو عرف إعلامي منتشر على نطاق واسع ، لذا يجب أن ينظر إلى ما تحدث به الدكتور الفوزان على أنه مجرد وجهة نظر شخصية فقط وهو حر فيما يراه ويعتقده.
هـ. قناة المجد كقناة إسلامية (سنية) هكذا أريد لها .... فماذا ينتظر منها أن تبث؟؟ الغريب هو أن يطرح رأي مختلف فيها !! ولها كامل الحق فيما تبث ولكن يجب عليها التقيد بسياستها وعدم السماح بطرح رؤى سياسية و إستراتيجية الا للمختصين فقط .
ثانيا : الدكتور الفوزان :
أ. هو دكتور متخصص في الفقه ،وشيخ له محبيه الكثيرين ،وله الحق في طرح أي وجهة نظر يراها من باب تخصصه .
ب. الحاجة ماسة إلى ان يعرف جميع الأشخاص الحدود المسموح لهم الخوض فيها ، وكما ان التخصص مطلوب في الفقه فان الجوانب السياسية والإستراتيجية تخصص أيضا ، ولا يجب على الشيخ الدكتور الفوزان او غيره الخروج عن مجال تخصصه ، وإلا فانه سمح وشرع لغير المتخصصين في الفقه الخوض فيه .
ج. يجب على المحاورين على القنوات التلفزيونية الحذر من طرح قضايا تضر بالأمن الوطني لبلدانهم ، وعدم الانجرار لرغبات الصحفيين الباحثين دائما عن الإثارة.
ثالثا: الخلاصة:
أ. ما دار ويدور ظاهرة جديدة وعلامة واضحة على حرية الطرح ويجب أن لا يتعدى الجدال مواقع الإنترنت وصفحات الجرائد ، ولا يكون الاختلاف سببا في مهاترات ومشاحنات وإطلاق بعض الأوصاف والنعوت غير اللائقة ، إذ إن اختلاف الرأي يجب أن لا يفسد للود قضية.
ب. السعودية كبلد وكيان والسعوديين كشعب كبير متعدد المشارب ثقافيا ، لا يجب أن يتم مصادره آرائهم أو اختزال أفكارهم في أشخاص أو منظمات معينة ، حتى ولو كانوا في مقام الدكتور الفوزان أو الدكتور الربيعه أو قناة المجد (مع احترامنا الشديد لهم ) وأنهم أو جميعهم من المعالم التي نفخر بها ضمن نسيج كامل وكبير متعدد الرؤيا والإتجهات والإنجازات.
ج. الحاجة الماسة إلى التأكيد على عدم الخروج عن التخصص والتقيد تماما بحدود المجال المحدد لأي شخص، كما أن الحاجة إلى ماسة معرفة المخاطر المتعلقة بالخوض في مجال آخر.
د. الحاجة ماسة إلى معرفة مخاطر الخوض في مواضيع لها انعكاسات سلبية سياسية واستراتيجية مما يؤثر حتما على الأمن الوطني للدولة ، ولا يجب أن تكون الحرية الشخصية في الكلام والرأي على حساب أمن البلد وسيادته .
هـ. الإعلامي المميز هو من يقرأ التاريخ جيدا ، ويعرف حدود الحرية الشخصية وحرية الطرح ، ويعرف المؤثرات السلبية على الأمن الوطني للدولة ومصالحها العليا ، والتي من أهمها تنمية العلاقات مع الدول والمجتمعات الأخرى وانه لا يوجد بلد يستطيع العيش في معزل عن بقية المجتمع الدولي .


حفظ الله بلدنا ،،،




تاريخ الإنشاء ‏23‏/01‏/2005‏ م


ليست هناك تعليقات: